الخاسر الأكبر من الحرب يحرّض على استمرارها
تقرير إخباري:
“لا أرى بصيص أمل في وقت قريب لوقف إطلاق النار في أوكرانيا”.. بهذه العبارة ترجمت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك مقدار التحريض الغربي في الأزمة الأوكرانية ورغبة دول الناتو في إطالة أمد الصراع في إقليم دونباس لتحقيق مآربهم في استنزاف القوات الروسية وفق ما يظنون.
الدعم العسكري واللوجستي المتواصل لقوات كييف منذ ما قبل بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا من قوات الناتو ودول الغرب بات علنياً ودون أي مواربة، ولكن أن تخرج بيربوك إلى العلن وتبثّ السموم عبر تصريحاتها، فهو دليل قطعي على رغبة الجناح النازي الألماني وشركائه الأوربيين في إطالة أمد الصراع في أوكرانيا رغبة منهم في استنزاف الجيش الروسي وفق ما يحاولون إقناع أنفسهم به رغم إدراكهم الخفي بأنه استنزاف لمرتزقتهم الذين زجّوهم لمقاتلة الروس وموت بطيء لشعوبهم التي ستعاني أزمة برد قارس مع انتهاء ما تبقى من احتياطي وقودها.
وبالعودة إلى تصريحات وزيرة الخارجية الألمانية أمس لصحيفة بلدها Bild am Sonntag حيث رفضت مقترح وقف إطلاق النار في أوكرانيا ومناطق دونباس بالشروط الروسية، بل ذهبت أبعد من ذلك بتوجيه نداء للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لسحب جنوده ليتحقق حلم سيدها الأمريكي.
على الضفة الأخرى، سبق تصريح بيربوك تصريحات للمستشار الألماني على خلفية ما تعانيه بلاده من انعكاسات الحرب في أوكرانيا، واصفاً تلك المعاناة بمرحلة تحوّل، وداعياً المواطنين إلى الاستعداد لمواجهة أزمة طويلة الأمد.
كذلك كشفت وسائل إعلام ألمانية في أكثر من مرة استياء برلين من الأسعار الخيالية التي تطلبها الولايات المتحدة لتوريد الغاز إليها مع غياب الغاز الروسي وتأثرها بنقص الطاقة، بعد أن كانت برلين رابع أكبر اقتصاد في العالم، تستورد 45% من احتياجاتها من الفحم من روسيا وثلث استهلاكها من النفط وأكثر من نصف احتياجاتها من الغاز، ناهيك عن حجم التبادل التجاري بينها وبين روسيا.
ليس هذا فحسب، بل كشف استطلاع لصحيفة واشنطن بوست كمية النفور الثقافي العميق للشعب الألماني من تدخل حكومته في أوكرانيا، وبأن بلادهم أقحمت نفسها في هذه الأزمة لتنفيذ قرار الاتحاد الأوروبي بإرسال 18 مليار يورو إلى كييف التي ليست عضواً بالاتحاد أصلاً، والغريب بالموضوع أن هذا المبلغ ليس من ميزانية الاتحاد بل من مالية الدول المشاركة.
روسيا لم تخفِ رغبتها الجدّية وانفتاحها على المفاوضات مع أوكرانيا شرط أن يبدي الطرف الأخير رغبة جدية وحسن نية فقط، وهذا لن يتحقق إذا لم ينضج نظام كييف الذي يتلقّى الأوامر من البيت الأبيض.
ومن المفارقة أنه سبق أن تعرّضت وزيرة خارجية ألمانيا لانتقاد لاذع من أحفاد المستشار الألماني أوتو فون بسمارك لافتقارها للوعي التاريخي وتشويهها للقيم، وفشلها في أداء واجباتها عبر تشويه تاريخ بلدها بعد أن أعادت تسمية إحدى قاعات وزارة الخارجية الألمانية التي كانت باسم “قاعة بسمارك” بقاعة “الوحدة الألمانية”.
إذاً التخبّط الألماني الرسمي بات واضحاً، يقابله إجماع شعبي على إنهاء الصراع في أوكرانيا، إلا أن هذه الرغبة يبدو أنها لا تلقى صدى عند حكام برلين وخاصة وزيرة الخارجية المصرّة على إطالة أمد الأزمة والمتهمة باتخاذ مواقف سلبية تجاه العديد من البلدان، وهي فاشلة بامتياز في أداء واجباتها المحلية في بلدها وفق تعليقات أحفاد بسمارك التي نقلتها مجلة “شبيغل”.
فهل ستمتدّ النار التي لسعت ألمانيا وتحرقها كلياً مع انخفاض إمدادات الغاز المعطلة العام المقبل في حال توقفت تدفقات الغاز عبر خطوك الأنابيب الروسية بشكل كامل، أم سترجح كفة الميزان وتكون للشعب بصمته؟.
ليندا تلي