“يو إس إس الفلوجة”.. واشنطن تحتفل بمجازرها
تقرير إخباري:
لم يرتكب أيّ نظام إجرامي على مرّ الأزمنة ما ارتكبه النظام الأمريكي من جرائم ضد الإنسانية، ويكفينا أن نذكّر بأنه استخدم السلاح الذري لقصف المدنيين في هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في عام 1945، الأمر الذي أسفر عن مقتل ما يقرب من ربع مليون إنسان، بالإضافة إلى الأمراض التي خلّفتها الإشعاعات الذرية وما زال تأثيرها مستمراً إلى اليوم، قضلاً عن الدمار والخراب الذي خلّفه إلقاء القنبلتين الذريتين على المدينتين.
طبعاً، الجرائم التي ارتكبها الأمريكيون في القارة الأمريكية نفسها وخارجها تسبق تاريخ قصف هيروشيما وناغازاكي وهي مستمرّة حتى اليوم، ويزعم المسؤولون في واشنطن أن حروب جيشهم وجرائمه تأتي للدفاع عن حقوق الإنسان ولنشر الديمقراطية، وهذا الزعم يبيّن حالة الإنكار التي يعيشها القادة الأمريكيون والدرجة الكبيرة من الفوقية التي تسمح لهم بالكذب على العالم علناً بكل صلف وعنجهية ودون الخوف من المساءلة.
وفي تذكير بواحدة من كبريات الجرائم الأمريكية في العصر الحالي إبّان احتلال العراق، وفي دليل على حجم الغطرسة الأمريكية التي تحتفل بمجازرها المرتكبة باسم الديمقراطية، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون”، أن سفينةً حربيةً بقيمة 2.4 مليار دولار ستسمّى باسم “يو إس إس الفلوجة”، الأمر الذي أثار جدلاً داخل الولايات المتحدة وخارجها.
ودفعت هذه الوقاحة في الاحتفال بقتل المدنيين، موقع “ذي إنترسبت” الأميركي إلى نشر مقال للكاتب بيتر ماس قال فيه: إنهّ لا يستطيع فهم كيف ولماذا استقرّ مسؤولو البنتاغون الذين يقرّرون مثل هذه الأمور على “الفلوجة” باعتباره أفضل اسم لهذه السفينة التي لم تُبْنَ بعدُ، متسائلاً: “هل يريدون تذكير العالم بأن أميركا قادرة على تدمير أي مدينة تختارها في أي وقت تختاره؟”.
وأضاف: إنّ “القوات الأميركية ارتكبت أحد أبشع الجرائم ضدّ الإنسانية في مدينة الفلوجة، والآن تطلق اسمها على إحدى السفن العسكرية”.
وأعربت الصحيفة، عن استغرابها من عدم شعور أمريكا بــ”العار من المجزرة التي ارتكبتها في الفلوجة”، وتساءلت: “لماذا تختار الولايات المتحدة الاحتفال بأكثر المعارك دمويةً وقسوةً في العراق؟”.
وأضافت الصحيفة: إنّ “مئات المؤرخين، يُجمعون على أنّ الفلوجة هي المدينة العراقية التي عانت من أكبر قدرٍ من العنف على يد الجيش الأميركي”.
وبيّنت، أنه وبعد أسابيع قليلة من الدخول الأميركي إلى بغداد عام 2003، أطلق جنود الفرقة 82 المحمولة جواً النار على حشد من المتظاهرين المدنيين وقتلوا 17 منهم.
وكانت عمليات القتل هذه، حسب الكاتب، مقدّمة لسيلٍ من العنف والدمار في عام 2004، وشملت إراقة الدماء في ذلك العام مقتل أكثر من ألف مدني، وقتل السجناء وهم في الأسر، وتعذيب النزلاء في سجن أبو غريب، وامتدّ عقاب الفلوجة إلى ما بعد الحقبة الوحشية لاحتلالها من الأميركيين. وفي السنوات التالية، كان هناك ارتفاع في معدلات الإصابة بالسرطان والتشوّهات الخلقية وحالات الإجهاض، بسبب استخدام أميركا الذخائر مع اليورانيوم المنضّب.
وتابعت “ذا انترسبت”: إنّه “بدلاً من الاعتذار عمّا تمّ ارتكابه، تختار أمريكا الاحتفال به”.
ووفقاً للصحيفة، فإنّ “القادة في واشنطن كانوا يتحدّثون دائماً عن أنّ عشرات الجنود الأميركيين قُتلوا في المدينة العراقية، لكنهم تجاهلوا العدد الأكبر من القتلى المدنيين العراقيين، كما تجاهلوا جرائم الحرب التي ارتكبتها القوات الأميركية هناك، والتداعيات الصحية التي لا يزال أهالي المنطقة يعانون منها”.
ورأت الصحيفة، أنّ “هذه الجرائم يبدو أنّها لم تكن مهمّة بالنسبة للبنتاغون”.
إذاً، وبعد الملايين من الضحايا الذين سقطوا بنيران السلاح الأمريكي مباشرةً أو من خلال أزلامهم ومرتزقتهم حول العالم، أو نتيجة العقوبات الاقتصادية التي تُفرض على شعوب الدول التي لا تسير على هواهم، المشكلة لا تكمن اليوم في حروب واشنطن بحدّ ذاتها، ولكن في اعتبار أمريكا نفسها قاضياً وشرطياً للعالم تصدر الأحكام التي تناسبها وتسارع إلى تنفيذها عندما تقتضي مصالحها ذلك، والأدهى والأمرّ أن مسؤوليها يذرفون دموع التماسيح على الضحايا الذين يسقطون في حروب كان لهم اليد الطولى في استعارها واستمرارها.
إبراهيم ياسين مرهج