أيديولوجية الكيان الصهيوني
علي اليوسف
ليس غريباً أبداً أن يقدم الكيان الصهيوني وحكوماته المتعاقبة ومسؤولوه السياسيون والعسكريون على الاستهتار بالشرعية الدولية المنبثقة عن المنظمات الحكومية وغير الحكومية عبر القرارات والتوصيات وغيرها من المبادئ التي تشكّل أسس القانون الدولي ومرتكزاته. ومنذ زرعها في المنطقة، كانت الإيديولوجية الصهيونية وفكرها العنصري قائمة على تزييف الحقائق ورفض القرارات الدولية التي تتعارض مع مصالحها، بل تعادي المنظمات التي تقف في طريق تنفيذ مشروعها الاحتلالي.
وعلى الرغم من أن الكيان الصهيوني هو الكيان الوحيد الذي أنشئ بتوافق وقرار داخل الأمم المتحدة، وفي ظل ظروف دولية كانت تتسم بتراجع نفوذ الامبراطوريات الاستعمارية السابقة، وصعود وهج الولايات المتحدة الأمريكية وتلاقيها مع أهداف الصهيونية، إلا أن هذا الكيان ما لبث أن أهان بشكل وضيع ميثاق الأمم المتحدة.
والشواهد على ذلك كثيرة على مرّ التاريخ المعاصر، وتمثلت بدايةً برفض القرارات الدولية وخاصة الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وحتى تغيير مضمون وجوهر القرارات ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، ورفض الانصياع للتوصيات الدولية، وإخراج الأمم المتحدة من دائرة التفاوض مع الدول وحول شكل وجودها.
هذا المشهد يعيدنا بالذاكرة لجملة سلوكيات مماثلة من “الوضاعة” الصهيونية، فهناك سجل حافل طويل من المواقف الإسرائيلية “الاحتقارية” للأمم المتحدة والهيئات التابعة لها، فرغم الكمّ الهائل من القرارات والبيانات والـ”غولدستونات” -نسبة الى تقرير غولدستون- المتعلقة بالجرائم والتحقيقات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة، إلا أن الكيان الصهيوني لم يلتزم يوماً بالقرارات والمواثيق الدولية، بل لم يحترم يوماً الأمم المتحدة، على الرغم من أن هذه المنظمة هي التي شرعت وجود هذا الكيان، بل إن عتاة الصهاينة يعلنون صراحة عن احتقارهم للأمم المتحدة وعدم انصياعهم لقراراتها، ورؤساء الحكومات الصهيونية كانوا ولا يزالون يرمون خلف ظهرهم كل مطالب المنظمة في أي اعتداء على أي دولة عربية أو المجازر التي ارتكبت بحق الفلسطينيين؛ حتى أنه يمكن وصف هذا الاستخفاف الصهيوني بالأمم المتحدة وقراراتها ومنظماتها بأنه بات ثقافة أو تراثاً من السلوك الإسرائيلي للأمم المتحدة، على الرغم من أن كل قراراتها تجاه الكيان كانت صورية، أو مع وقف التنفيذ، نتيجة الدور الأمريكي الرافض لكلّ محاولة تدين الكيان.
وبالعودة للتقويم الأممي وأرشيفه الممتلئ بالقرارات الدولية المتعلقة بالشعب العربي الفلسطيني وحقوقه المغتصبة، فإن هناك اليوم ما يزيد عن 845 قراراً دولياً صادراً عن الأمم المتحدة ومؤسساتها ولجانها المختلفة لم يلتزم بها “الكيان الإسرائيلي”، ولم ينفذ في يوم من الأيام أياً منها، غير أن كل هذه القرارات الملزمة منها وغير الملزمة، أصبحت متراكمة مغبرة على رفوف المنظمة الدولية، بعد أن رفضها الكيان الصهيوني وضرب بها عرض الحائط، أو بعد أن استخدمت الولايات المتحدة حق النقض “فيتو” في موقف داعم للعربدة الصهيونية. ولعلّ هذا المشهد هو الذي دفع حكومات الاحتلال ليس لتجاهل هذه القرارات، بل القيام بما يعارضها كقرار وقف الاستيطان على سبيل المثال لا الحصر.