من قوة الاقتصاد إلى قوة السياسة
تقرير إخباري:
اليوم ونحن على أعتاب عام 2023 يتحضّر العالم لاعتبار الصين الاقتصاد المنتعش الأول، في وقتٍ تغوص فيه أمريكا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي واليابان بمشكلاتهم الاقتصادية من تضخّم وديون وبطالة وأزمات طاقة وشعوب منتفضة وأزمات معيشية، وهذا المشهد ليس وليد تداعيات الحرب الأوكرانية بل يمتد إلى ما سبقها من جائحة كورونا والقلاقل التي سبّبتها عالمياً، وذلك بسبب وجود تلك الدول نفسها أمام مشاهدَ لم تتحضّر لها مسبقاً، ولم تجِد التعامل معها بمرونة، لكن في الوقت ذاته كانت هذه التداعيات متفاوتة، فأمريكا مثلاً لديها اكتفاء من حوامل الطاقة بل تصدّرها وبأضعاف ثمنها، ومع ذلك فهي تأثرت وأثّرت في معظم الاقتصادات العالمية.
أما الصين فعلى العكس من ذلك، كانت تراقب وتتموضع للاستفادة من تلك التغيّرات والظروف العالمية، ففي جائحة كورونا مثلاّ أثبتت فعلاً أنها المعمل الأول للعالم وعلى مدار الساعة، وخاصةً في المضمار الطبي، وحققت النمو في وقتٍ خسر فيه الجميع، ومع فرض العقوبات على روسيا تحدّت تلك الإملاءات الغربية السخيفة، وزادت من حجم التبادل معها وشراء النفط والغاز المسال.
وأمام هذا الوضع المرموق والنهوض الفائق لهذا الاقتصاد نرى الحقد الغربي يزداد والمحاولات بشتى الوسائل تستمرّ لإيقافه، فواشنطن تحثّ بكين على حل الخلافات وإبقاء قنوات التواصل مفتوحةً، وفي الوقت نفسه تتابع التصعيد والاستفزازات ضدّ المصالح الصينية في كل مكان، والخارجية الأمريكية أنشأت “البيت الصيني” ضمن أقسامها. ووفقاً لتعليق صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية فإن إنشاءه دليلٌ واضح على نيّة أمريكا زيادة المنافسة بصورةٍ أكثر ضراوة ضدّ الصين. كما يرى محللون أنّ إنشاء هذه الهيئة يعبّر فعلاً عن أن الولايات المتحدة تعدّ الصين التحدّي الاستراتيجي الأكبر، حيث تعمل على تعزيز التعاون داخل أمريكا لمناهضة كل ما حاولت بكين الحفاظ على السير به ضمن تطوير اقتصادها والاعتماد عليه بعيداً عن السياسة، ولكن للأسف أمريكا والغرب وبعد استشعارهم تفوّقها عملوا بقوة على تحريك أدواتهم ضدّها، وأمام ذلك اضطرّت الصين للسير في المسار السياسي والعسكري حرصاً على أمنها القومي الداخلي ووحدة أراضيها، لكنها مع ذلك لن تتراجع اقتصادياً لأنها عمدت إلى هذه الخطوة بعد تحقيق فائض تجاري يناهز الـ3 تريليونات دولار، ولولا اعتماد الاقتصاد العالمي على الدولار بصورةٍ كبيرة لكانت في المرتبة الأولى اقتصادياً، ومع ذلك شهدنا توسّعاً للتبادل باليوان الصيني.
والغرب الآن لا يريد للصين الاستمرار كمعمل للعالم ويحاول نقل معامله نحو مناطق أخرى، لكن الصين أيضاً تنبّهت إلى ذلك وهي تبني العديد من التفاهمات في الشرق الأوسط والخليج، ويُضاف إلى ذلك نجاح بكين في أن تكون الشريك الأول لدول أفريقيا وخروج فرنسا والقوى الاستعمارية من تلك المناطق.
كذلك بالإضافة لازدياد التبادل الاقتصادي بين البلدين، يزداد التقارب العسكري الصيني مع روسيا، وشهدنا مؤخراً مظاهر مكثّفة ومتكرّرة له، تتمثل في التدريبات والمناورات المشتركة العسكرية البحرية والجوية الاستراتيجية.
إنّ هذا التقارب يهدف إلى تعزيز القوة العسكرية والسياسية ضدّ الأطماع الغربية، وإثبات الحضور للرّد على الخطر المتجسّد في التحالف الأنغلوساكسوني في المنطقة الذي يضم إضافةً إلى أمريكا وبريطانيا، دول استراليا وكندا ونيوزيلاندا وإيطاليا، التي تسعى جميعها لتهديد السلم في آسيا وبحر الصين الشرقي، ومصالح بكين وموسكو في منطقة الباسفيك.
بشار محي الدين المحمد