صفقة تخفي سراً كبيراً
عناية ناصر
كان الإجراء البارز في جهود بريطانيا لحماية أمن الطاقة لديها، منذ بدء الحرب في أوكرانيا، هو الصفقة الجديدة التي عقدتها مؤخراً لمضاعفة إمداداتها من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، لكن ما يوصف بأنه “شراكة لأمن الطاقة والقدرة على تحمل التكاليف بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة”، والتي وقعتها واشنطن ولندن، لا توفر الأمن لبريطانيا، ولا قدرتها على تحمّل التكاليف. وعلى الرغم من ذلك، فإن الصفقة المربحة ستجعل منتجي الطاقة الأمريكيين الأثرياء أكثر ثراءً من أي وقت مضى.
ويعاني البريطانيون حالياً من قلة وقود التدفئة في جو بارد حيث الحرارة دون الصفر، وقد قام رئيس الوزراء ريشي سوناك بالتسويق للاتفاقية على أنها انتصار لمساعدتهم على تجاوزها، وقيل لهم إن ذلك سيساعد في الحفاظ على دفء المنازل، وإضاءة الأنوار والصناعة وفي الأعمال التجارية. وتنفّس الكثير من السكان القلقين الصعداء، إلا أن حقيقة الأمر هي أنها صفقة مغلفة بالتضليل والانحراف والأكاذيب الصريحة والنفاق، وكلّ ذلك يخفي التكلفة الاقتصادية والبيئية الحقيقية، كما أنها تخفي سراً كبيراً!.
بادئ ذي بدء، لا تقوم الولايات المتحدة بذلك لمجرد مساعدة حليف طويل الأمد واقع في محنة، كما لا يقودها السخاء، بل إنها تفعل ذلك لأنها، كما هي الحال مع صفقة مماثلة تمّ إبرامها مع الاتحاد الأوروبي في وقت سابق من هذا العام، صفقة تجارية جيدة سيكسب منها عمالقة التكسير الهيدروكربوني الأمريكيون المثيرون للجدل مليارات الدولارات، أما بالنسبة لجو بايدن فهي فرصة مرحب بها في قطاع الطاقة في الولايات المتحدة.
يُذكر أن كلّ حمولة سفينة تعبر المحيط الأطلسي ستكسب 150 مليون دولار، وبناء على ذلك سيكون هناك عدد هائل من السفن، وبهذه الأسعار سترغب الولايات المتحدة في السخاء بقدر ما تستطيع المملكة المتحدة تحمله.
من الخطأ القول للبريطانيين إن هذا سيساعدهم خلال فصل الشتاء، وذلك لأنه تمّ التوقيع على الصفقة بعد فوات الأوان، فقد ارتفعت أسعار الوقود إلى مستويات قياسية، وتنبأ تقرير اقتصادي صدر مؤخراً بأن الفقر الحقيقي سيؤثر على ما يقرب من نصف السكان خلال عام 2024. إضافة إلى ذلك كانت المساعدات الحكومية متواضعة، وفي هذه الظروف يكون الناس في أمسّ الحاجة إلى الأخبار الجيدة، لكن الشتاء سيكون قاتماً وقارساً. كما ستؤدي هذه الصفقة بمرور الوقت إلى تقريب البلدين أكثر من أي وقت مضى في مجال أمن الطاقة فقط، لأنه من الواضح أن الشريك الذي سيكون المسيطر وصاحب القرار هو أمريكا. وبذلك ستعتمد بريطانيا بشدة على الولايات المتحدة، في هذا المجال البالغ الأهمية، وستجد نفسها خاضعة بشكل لا يقاوم لإرادة واشنطن من خلال هذا النوع من التجارة القسرية.
لكن السرّ الكبير هو أن الصفقة تعتبر من أفعال إيذاء الذات ناتج عن العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بعد عمليتها الخاصة في أوكرانيا، وكانت عواقب تلك العقوبات هي نقص الوقود، وارتفاع الأسعار، والهروب إلى أمريكا للحصول على المساعدة.
لقد أجبرت العقوبات التجارية البلدان على البحث في مكان آخر، وتحوّلت باتجاه الولايات المتحدة بذريعة مفادها أن وجود حليف كمصدر للطاقة أفضل من الاعتماد على بلد في حالة حرب مثل روسيا. وبموجب الصفقة، ستشتري المملكة المتحدة ثُمن غازها الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، وبذلك ستتمّم الولايات المتحدة هيمنتها وتعززها بهذه الطريقة.
ويبدو أن النتيجة الأساسية للعقوبات ضد روسيا هي جعل الناس في المملكة المتحدة أكثر فقراً وبرودة، وبفضل هذه الصفقة فإن منتجي الطاقة في الولايات المتحدة سيكونون أكثر ثراءً مما هم عليه بالفعل، وسيجني العم سام ثمار الحرب بالوكالة في أوكرانيا.