قراءة في إستراتيجية الأمن القومي الأمريكية
ريا خوري
أصدرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إستراتيجيتها للأمن القومي، في تشرين الأول الماضي، متضمّنة الكثير من الأفكار والآراء التي تخصّ تقدّم وتطوّر الولايات المتحدة الأمريكية ومستقبلها السياسي والاقتصادي والعسكري، وتحديد خيارات سياستها الخارجية من خلال توفير الفرص وتدفق المعلومات.
وكان المحور الأساسي لتلك الإستراتيجية على المستوى الدولي هو التغلّب على جمهورية الصين الشعبية، والوقوف في وجه جمهورية روسيا الاتحادية وكبح جماحها، والعمل على تحديث الجيش الأمريكي وتطويره، وبناء تحالفات قوية وجديدة مع الدول ذات التوجهات المتماثلة والمتوافقة مع الإستراتيجية الأمريكية ومصالحها.
في الحقيقة، تعتبر إستراتيجية الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن استمراراً لإستراتيجية الرئيس الجمهوري الأسبق جورج دبليو بوش التي عرفت “بالإستراتيجية الوقائية”، والتي انتهجها المحافظون الجدد “البيوريتان”، وكان من بين قراراتها الخطيرة غزو أفغانستان عام 2001، واحتلال العراق عام 2003، بذريعة القضاء على الإرهاب، ونزع أسلحة الدمار الشامل، وطرح الفكرة الكاذبة بإقامة أنظمة ديمقراطية، في حين أن إستراتيجية الرئيس الأسبق باراك أوباما، الذي عمل بايدن نائباً له، اعتمدت على ما أطلق عليه “القوة الناعمة” للتغلغل والسيطرة والتأثير في الشعوب والبلدان تحت عدة عناوين، كان من أهمها إقامة عالم خالٍ من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل للتغلب على الفقر والمرض والجوع والحرمان.
إنّ حدّة الصراع السياسي والاقتصادي وحتى العسكري للأزمة الأوكرانية تركت آثارها على جميع نواحي الحياة في العالم، وألقت بظلالها على الإستراتيجية الأمريكية بثقل كبير. يضاف إلى ما سبق حدّة التوتر بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية، والعقوبات المفروضة عليها وعلى جمهورية روسيا الاتحادية أيضاً، والتي تعاظمت وتفاقمت في الفترة الأخيرة بعد العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا.
لقد أولت إستراتيجية الأمن القومي الأمريكية الأخيرة اهتماماً إضافياً مكثّفاً للصين في مواجهة ساخنة ومحمومة لما تطلق عليه “التهديد الصيني”، من خلال محاولة تقوية وتعظيم نقاط القوة الاقتصادية والعسكرية، والاستثمار أكثر في مجال البنية التحتية الأمريكية، والاهتمام الكبير والمكثف للتعليم والتدريب، وكذلك موضوع الأمن السيبراني.
وفيما يخصّ القضية الفلسطينية التي هي جوهر الصراع في الشرق الأوسط، فإن حلّ الدولتين الذي أخذت به الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ عهد الرئيس بيل كلينتون، وجورج بوش الابن، وباراك أوباما، بقي ملتبساً غامضاً، وخاصة في ظل نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لها، كما فعل الرئيس السابق دونالد ترامب، وحتى الآن وإن اختلفت سياسة بايدن عن سياسة سلفه ترامب، فإنه لا توجد أي مبادرة حقيقية على هذا الصعيد لفرضها على حليفه الكيان الصهيوني الذي يتمادى يومياً في انتهاك حقوق الشعب العربي الفلسطيني بما فيه حقّه في تقرير المصير، وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، طبقاً لقرارات الشرعية الدولية 242 و338، ومبادرة السلام العربية التي عُقدت في بيروت عام 2002.