روسيا والغرب.. بدأت معركة كسر العظم
ليس أمراً عاديّاً أن تقوم الاستخبارات الروسية في ذكرى تأسيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي “102”، بكشف عدد من الأسرار والخفايا حول “حرب الشتاء” والحرب العالمية الثانية، فالحرب بين روسيا والغرب دخلت مرحلة خطيرة يمكن أن يُطلق عليها مرحلة “كسر العظم”.
الغرب الجماعي تعرّى بشكل فاضح أمام العالم من خلال مجريات الحرب الحالية بين أوكرانيا بالوكالة عن حلف شمال الأطلسي “ناتو” وروسيا، حيث أصرّ منذ ما قبل العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا على عدم التجاوب مع مخاوف روسيا الأمنية، ورفض إعطاءها ضماناتٍ بعدم تمدّده شرقاً نحو حدودها، وزاد الطين بلّة قيامُ الدول الغربية بفرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة على روسيا، أرادت من خلالها تدمير الاقتصاد الروسي وصولاً إلى إضعافها وتفتيتها وهزيمتها استراتيجياً، فضلاً عن حملة “روسوفوبيا” التي نشرها الغرب في العالم، محاولاً تشويه صورتها والوصول من خلال ذلك إلى عزلها دولياً وسحب عضويّتها الدائمة في مجلس الأمن الدولي، الأمر الذي أدركت من خلاله موسكو أن المعركة مع الغرب بلغت مرحلة خطيرة، حيث تحوّلت إلى معركة وجود.
ومع إصرار الغرب على المضيّ في سياساته الهادفة إلى تدمير روسيا وتركيعها، من خلال إمداد نظام كييف بشتى صنوف الأسلحة المتطوّرة، معلناً أنه مستمر في دعم هذا النظام حتى النهاية، وليس فقط حتى آخر جندي أوكراني، وخاصة بعد إعلان المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أن اتفاقية مينسك كانت مجرّد محاولة غربية لكسب الوقت إلى حين تمكين النظام الأوكراني من الاستعداد للحرب على روسيا، الأمر الذي صدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجعله يجزم بالشعور بعدم الثقة بصدقية الغرب الجماعي، وهو من جهة ثانية دليل على أسلوب التزوير الذي يمارسه الغرب والتلاعبات والمكائد وتشويه الحقائق والقانون، كما قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، مع كل هذا الإصرار صار لزاماً على موسكو أن تغيّر طريقة التعاطي معه نهائياً والقطع بضرورة تغيير وجهتها نحو الشرق بشكل نهائي.
ومن هنا، فإن على الغرب من الآن فلاحقاً أن يتوقّع من الاتحاد الروسي نشر جميع الوثائق التي بحوزته حول التزوير الذي مارسته الدول الغربية في الكثير من الحقائق التاريخية حول العالم، وبالتالي ليس غريباً أن تفرج الاستخبارات الروسية عن المعلومات التي تمتلكها حول طبيعة العلاقة التي كانت تربط الدوائر السياسية والمالية الأمريكية والبريطانية بالنظام النازي في ألمانيا أثناء الحرب العالمية الثانية، وأنها زوّدت هذا النظام سرّاً بمليارات الدولارات لهزيمة الاتحاد السوفييتي، وأن بريطانيا وفرنسا كانتا تعدّان لهجوم مشترك واسع على الاتحاد السوفييتي أثناء حربه مع فنلندا عام 1940، دون استبعاد ألمانيا، بل إنهما شاركتا فعلياً في هذه الحرب إلى جانب الأمريكيين والأستونيين، وكانتا تستعدان لتدمير حقول النفط في باكو.
والأهم من كل ذلك أنّ بابا الفاتيكان، بيوس الثاني عشر، كان على علم في نيسان 1941 بهجوم ألمانيا النازية الوشيك على الاتحاد السوفييتي، حيث أمر أتباع الكنيسة في الأراضي السوفييتية الغربية بالاقتراب من الحدود.
والخلاصة أن قيام جهاز الاستخبارات الروسي في هذا التوقيت بالذات بالإفراج عن مثل هذه المعلومات، إنما يشير من طرف خفي إلى أن موسكو باتت مستعدّة لكشف جميع الأساطير التي حيكت حول عداء الدول الغربية للنظام النازي، وأنه كان هناك تحالف قائم بين النازية والإمبريالية الغربية منذ ذلك الحين، وأن النصر الروسي في الحرب العالمية الثانية إنما كان انتصاراً على الغرب الجماعي المتحالف مع النازية، ولكن تم تحميل الهزيمة وتبعاتها للزعيم النازي أدولف هتلر وتم دفن أسرارها معه.
طلال ياسر الزعبي