أوروبا تقف عند منعطف تاريخي يهدّد أمنها
تقرير إخباري:
بات واضحاً بالنسبة إلى الأوروبيين أن المستفيد الأول مما يجري في أوكرانيا هي الولايات المتحدة الأمريكية التي أثرت على حساب الاقتصاد الأوروبي، ولم تعُد اللعبة الأميركية تخفى عليهم، حيث أدركوا متأخرين حجم الاستنزاف الذي أصاب ميزانياتهم بسبب الانجرار وراء سياسات البيت الأبيض الذي دعاهم إلى دعم أوكرانيا بالأسلحة المختلفة وفرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة على روسيا أدّت بالمحصلة إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي.
فقد هاجم مسؤولون في الاتحاد الأوروبي الرئيس الأميركي جو بايدن بسبب ارتفاع أسعار الغاز ومبيعات الأسلحة والتجارة، مشيرين إلى أن الحرب الأوكرانية تهدّد بتدمير الوحدة الغربية، وبدأ كبار المسؤولين الأوروبيين يشعرون بالغضب من إدارة بايدن ويتهمونها بجني ثروة من الحرب بينما دول الاتحاد الأوروبي ما زالت تعاني التبعات الكارثية لذلك.
ويتفق مسؤولون في الاتحاد الأوروبي أن الدولة الأكثر ربحاً من هذه الحرب هي الولايات المتحدة لأنها تبيع المزيد من الغاز وبأسعار أعلى، وكذلك تبيع المزيد من الأسلحة، مشيرين إلى أن أوروبا عند منعطف تاريخي لأن ارتفاع أسعار الطاقة فيها يهدّد بتوجّه الرأي العام ضد كل من المجهود الحربي والتحالف الأطلسي.
ومن وجهة نظر المسؤولين الأوروبيين، أميركا تحتاج إلى أن تدرك التغيّر الذي يطرأ على الرأي العام في دول الاتحاد الأوروبي، حيث طالب كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل واشنطن بالردّ على المخاوف الأوروبية، علماً أن كلاً من فرنسا وألمانيا أبدَى استياءه من الأسعار الخيالية التي تطلبها الدول الصديقة لتصدير الغاز إليهما.
وقد بدأت الدول الأوروبية تدعو بشكل معلن إلى رفض الانجراف خلف السياسة الأمريكية، حيث دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الدول الأوروبية إلى أن تكون أكثر حسماً وقوة في حلف شمال الأطلسي (ناتو) والحدّ من الاعتماد على الولايات المتحدة في مجال الأمن.
فبعد عودته من مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة المنعقد في الأردن، كشف أنه لا يرى مساعيه لتطوير الدفاع الأوروبي بديلاً من الناتو، وأن أوروبا القوية ستسمح للقارة بأن تصبح أكثر استقلالية داخل التحالف العسكري وتعمل داخل الناتو ومعه لكنها أيضاً يجب ألا تعتمد عليه.
ماكرون بيّن أن التحالف ليس شيئاً يجب أن نعتمد عليه، بل يجب أن نعيد التفكير في استقلاليتنا الاستراتيجية وبأن أوروبا بحاجة إلى اكتساب مزيد من الاستقلالية في التكنولوجيا والقدرات الدفاعية بمنأى عن الولايات المتحدة، وأن خطّة المناخ الكبيرة الأميركية شديدة العدوانية بالنسبة إلى الشركات الأوروبية.
هذه التصريحات الأوروبية بشأن التدخلات الأميركية في القارة العجوز لا تتوقف، حيث صرّح الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ بأن أوروبا ستدفع ثمن مساعدتها لكييف لكنها ستستمر في دعمها، بينما عبّر الحلفاء الأوروبيون عن استيائهم من الولايات المتحدة، وقالوا: إنها الدولة الأكثر استفادة من هذه الحرب.
أما وزير المالية الفرنسي برونو لو مير، فقد قال: يتعيّن على أوروبا العمل على حماية المصالح الاقتصادية للاتحاد الأوروبي أمام إجراءات الولايات المتحدة لمواجهة التضخّم.
كذلك حذرت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيت بورن من أن فرنسا لن تقف مكتوفة اليدين في مواجهة خطة الاستثمار الأميركية الهائلة لمكافحة التضخم التي يُحتمل أن تضرّ بالمنافسة التجارية.
إذن، وبالمحصلة، بدأ الشعور الأوروبي بالخذلان الأميركي يتزايد بعد التأكد من أن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي مجرّد دمية بيد واشنطن، وأنه لا يملك قرار الحرب والسلام، وبالتالي فإن الأوروبيين شأنهم شأن زيلنسكي مجرّد أداة من أدوات واشنطن لتسعير الحرب.
ميادة حسن