كيسنجر يستشعر التهديد
ريا خوري
حذر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر من أي محاولة تهدف إلى ضرب العمق الروسي أو الاقتراب من مشاريع تفكيك روسيا الاتحادية، لأنّ أي محاولة ستؤدي لا محالة إلى فوضى نووية، وأنه حان الوقت للتفاوض في الشأن الأوكراني منعاً لنشوب حرب عالمية مدمرة للبشرية.
قدّم كيسنجر رؤيته المستقبلية للعالم إذا ما سار على نفس المنهج، مؤكداً أن العواقب ستكون وخيمة على البشرية، ونادى بضرورة تجنب حرب عالمية أخرى، وأن الوقت يقترب للبناء على التحولات والتغييرات الاستراتيجية التي تحققت على أرض الواقع، ودمجها في هيكل جديد نحو تحقيق الأمن والأمان والسلام من خلال المفاوضات، وأن حل أزمة أوكرانيا يجب أن يرتبط بحلف شمال الأطلسي ( الناتو)، وأن خيار التزام الحياد لم يعد له أي مغزى.
من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تشعر بثقل الحرب الاوكرانية عليها، وباتت مقتنعة أنه لا يمكن هزيمة روسيا الاتحادية التي تملك قوة عسكرية هائلة وقوة اقتصادية تجعلها من أقوى دول العالم. من هنا تظهر السياسة الأمريكية التي تبحث عن مساحة واسعة لإعادة النظر في مواقفها بناءً على التطورات العالمية الراهنة التي أتت لصالح روسيا الاتحادية وحليفتها جمهورية الصين الشعبية.
يرى ثعلب السياسة الأمريكية هنري كيسنجر، مهندس إطفاء بؤر الصراع إبان الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة، أن الوقت قد حان لحل الأزمة الأوكرانية عن طريق المفاوضات، مع الأخذ بعين الاعتبار التغييرات العالمية الاستراتيجية التي حدثت بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، مع احترام التاريخ الروسي والأمن القومي الاستراتيجي الروسي، وإعادة صياغة أمن القارة الأوروبية برمتها على قواعد جديدة تضمن المصالح للجميع وتعزز المخاوف الأمنية الروسية.
لقد سارت الرؤية الأمريكية متوافقةً مع ما قدمه كيسنجر من ضرورة وضع خطوط لوقف إطلاق النار والبدء في المفاوضات التي يجب أن تؤدي إلى تسوية ينشدها الطرفان. وذلك من خلال اللجوء إلى مبدأ تقرير المصير بإشراف دولي بالنسبة للمناطق الأربعة التي أصبحت تحت السيادة الروسية في حال تعذَّر التوصل إلى حل منصف عن طريق التفاوض السياسي.
قبل أن يخرج كيسنجر بهذه الرؤية، كان الرئيس فلاديمير بوتين كان قد أكد في أكثر من مناسبة على المزاوجة بين العمل الدبلوماسي واستخدام القوة في آنٍ معاً، موضحاً أنه بعد أن استنفدت الفرص الدبلوماسية والحلول السياسية خلال أشهر من المفاوضات بين وقتٍ وآخر، والتي سبقت العملية العسكرية في أوكرانيا، آثر اللجوء إلى خيار القوة العسكرية.
لم ينتبه كيسنجر إلى الإرث والتاريخ الطويل في العلاقات الروسية مع الغرب الأمريكي – الأوروبي إبان الحرب الباردة، وهنا فإن التساؤل هو: هل تغيّر شيء منذ ذلك الوقت، أم أن كيسنجر استشعر أن “بلاده” باتت في مرمى التهديد؟