الصين تحمي الاقتصاد العالمي
عناية ناصر
في لعبة القوة بين الصين والولايات المتحدة، قال نيد برايس، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، إن الولايات المتحدة تأمل في أن تتمكن الصين من معالجة تفشي فيروس كورونا الحالي، لأن حصيلة الفيروس مقلقة لبقية العالم بالنظر إلى حجم الناتج المحلي الإجمالي للصين، وبالنظر إلى حجم الاقتصاد الصيني.. ولم تكن تصريحات برايس مفاجئة على الإطلاق، حيث كانت واشنطن وما زالت تواصل وضع جميع سياسات الصين وإجراءاتها من منظور المنافسة الصينية الأمريكية، وهذا يعني أن كلمات الجانب الأمريكي ستتمحور حول تشكيل جو دولي لا يفيد إلا الولايات المتحدة.
عند الحديث عن دور الصين في الاقتصاد العالمي، يمكن الاستشهاد ببعض الأمثلة الحديثة، ففي كأس العالم التي اختتمت مؤخراً، استحوذت المنتجات المصنوعة في مدينة ييوو، مركز السلع الصغيرة في الصين، على ما يقرب من 70 في المائة من الحصة السوقية لبضائع كأس العالم، بدءاً من الأعلام الوطنية وكرات كرة القدم وحتى القمصان، وفقاً لجمعية “ييوو” للبضائع الرياضية.
أظهرت التقارير أن المنتجات المصنوعة في الصين، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، شاشات العرض اكتسحت العروض خلال التسوق التقليدي في الغرب الذي انطلق في 25 تشرين الثاني الماضي. وأخيراً وليس آخراً، أعلنت الولايات المتحدة في أواخر تشرين الثاني أنها ستمدّد استثناءات الرسوم الجمركية لبعض المنتجات الطبية الصينية لمدة ثلاثة أشهر إضافية من أجل الاستمرار في مكافحة جائحة كورونا.
ورداً على تصريحات برايس، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، إنه في السنوات الثلاث الماضية، وفرت سياسة الصين بشأن مكافحة جائحة كورونا أقصى قدر من الحماية لحياة الناس وصحتهم، وقللت من تأثير كوفيد19- على التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وكسبت وقتاً ثميناً لفهم الفيروس على أساس العلم للبحث وتطوير اللقاحات والعلاجات، ولتحصين المزيد من الناس في جميع أنحاء البلاد، وقد حققنا النتائج الأكثر فعالية بأقل تكلفة.
ليس لواشنطن رأي في تأثير الصين على الاقتصاد العالمي، فقد قالت كريستالينا جورجيفا، مديرة صندوق النقد الدولي، في وقت سابق من هذا الشهر، إن إعادة ضبط سياسات كوفيد يمكن أن تكون مفيدة جداً للشعب الصيني والاقتصاد، وأيضاً لآسيا والاقتصاد العالمي. وفي هذا السياق، زادت “مورغان ستانلي” من توقعاتها للناتج المحلي الإجمالي للصين في عام 2023 إلى 5.4 في المائة من توقعاتها السابقة البالغة 5 في المائة، وتوقعت أن يحدث انتعاش في النشاط في وقت أبكر وأن يكون أكثر حدّة من المتوقع.
تعتبر الصين الدولة الوحيدة التي خاضت بجدية المعركة ضد وباء كوفيد-19، وذلك من خلال اتخاذ إجراءات صارمة لمدة ثلاث سنوات، على عكس الولايات المتحدة التي تخلّت عن مكافحة الفيروس منذ فترة طويلة، وذلك لأن الصين أخذت زمام المبادرة في كبح جماح كوفيد، ولذلك فهي قادرة على استئناف الأعمال التجارية والإنتاج بطريقة فعالة.
في عام 2020، كانت الصين الاقتصاد العالمي الرئيسي الوحيد الذي نما خلال العام الذي دمره الوباء، حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي للصين 17.7 تريليون دولار في عام 2021 ، وهو ما يمثل 18.5 في المائة من الإجمالي العالمي.
وفي الإطار ذاته، قال شون دوهرتي، رئيس التجارة الدولية والاستثمار وعضو اللجنة التنفيذية للمنتدى الاقتصادي العالمي، إن الصين تظهر مرونة تكتيكية في الحفاظ على سلاسل التوريد المرنة وسط الوباء، واعتبر الصين مثالاً يحتذى به في تسهيل التجارة محلياً، وقوة رائدة في مناقشات تيسير الاستثمار في منظمة التجارة العالمية. بينما في الولايات المتحدة قصة أخرى، حيث لم تضيع واشنطن أي وقت في تسييس الفيروس، وشنّت حرباً أيديولوجية، وقسمت العالم عندما كانت هناك حاجة ماسة للوحدة وسط أزمة الصحة العامة العالمية.
عندما تحتاج الولايات المتحدة إلى تعزيز اقتصادها، فإنها تميل إلى اللجوء إلى التيسير الكمي غير المحدود، والذي يشار إليه باسم طباعة النقود على نطاق واسع، والذي يهدف إلى جذب تدفقات رأس المال المالي. ولكن عندما أدت إجراءاتها إلى ارتفاع معدلات التضخم، والتي كانت شديدة بشكل خاص أثناء الوباء، بدأت الولايات المتحدة في رفع أسعار الفائدة مراراً وتكراراً، وكان الهدف هو جعل الدولار الأمريكي أقوى، وجذب رأس المال الاستثماري من المستثمرين في الخارج الباحثين عن عوائد أعلى على السندات الأمريكية ومنتجات أسعار الفائدة. لكن بالنسبة للبلدان الأخرى، فإن الارتفاعات اللانهائية في أسعار الفائدة تجعل خدمة ديونها المقومة بالدولار أكثر تكلفة، مما يتسبّب في انخفاض قيمة العملة، وتفاقم التضخم على أراضيها.
كانت الولايات المتحدة من خلال صندوق الأدوات الخاص بها، مثل التيسير الكمي ورفع أسعار الفائدة، تجني المكاسب والثروة من العالم، لكن هذه هي الحقيقة، عندما تقدم الصين مساهمات في الاقتصاد العالمي أثناء الوباء، تنشغل واشنطن في نقل الثروة من العالم إلى الولايات المتحدة بشكل متعمد.
أخيرا، وعلى الرغم من خطاب برايس، فإن العالم سيرى أي جانب كان هو سبب المشكلة، لكن إذا كان برايس يهتمّ بالاقتصاد العالمي، فعليه أن ينصح البيت الأبيض بكبح جماح نفسه عند تعطيل سلاسل التوريد العالمية، وإثارة الصراعات وحتى الحروب.