“بوابات الأسطورة – استكشاف الهند”.. السينما الهندية وسير الكتّاب بحوارات
ملده شويكاني
انتشرت السينما الهندية في كل دول العالم، لاسيما الأفلام القديمة التي حافظت على الخصوصية الهندية بما يرافقها من رقص تقليدي وموسيقا ذات إيقاعيات متعددة وأغان وأزياء فلكلورية، إضافة إلى مضمون القصة العاطفية والصراع الدرامي بين الأطراف والمشاعر الحزينة، ضمن إطار الصورة البصرية المبهرة المركزة على جمال النجوم وأدائهم والطبيعة الجغرافية والمكانية. ولكن مع مرور السنوات تأثرت السينما الهندية بتطور الفنّ السينمائي العالمي، وبدا هذا واضحاً في الأفلام المعاصرة. ولكن.. كيف يرى د. طالب عمران السينما الهندية من وجهة نظره التوثيقية والتحليلية؟
هذا ما نعرفه من قراءة كتابه “بوابات الأسطورة – استكشاف الهند”، الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، والذي اتخذ طابع السيرة الذاتية لسنوات عاشها في الهند دمج فيها بين الواقعية والانطباعية، متنقلاً بين ولاياتها، فدوّن انطباعاته عن طبيعتها الساحرة والطقوس الاجتماعية والدينية: “كل مدينة لها سحرها الخاص، وشكلها، وعمقها، ولكل ولاية من الولايات الـ26 لغتها وكتّابها وأدبها وفنّها، بل علمها، شعوب متباينة في انتمائها إلى الهند العظيمة”.
كما أفرد مساحة كبيرة عن ملامح الثقافة والأدب والفنون في الهند، بأسلوب سردي بسيط يشد المتلقي. وتعد السينما الهندية الفنّ الأكثر انتشاراً، فبدأ د. عمران من العلاقة بين الجمهور والسينما “الجمهور الواسع العريض الذي ينتمي لبلد يقارب تعداد سكانه الآن 1400 مليون نسمة”، وتابع عن التباين الطبقي، فطبقة البراهما هي الطبقة العليا التي قد لا تكون لها علاقة مباشرة بالسينما إلا من خلال أفلام الفيديو، أما طبقة المحاربين والحكماء التي تلي طبقة البراهما، فساهمت في تجربة الإنتاج السينمائي التجارية بإنتاج أفلام تتوخى الترفيه والتسلية، بمشاركة “عائلة كابور” الأشهر فنياً، و”أميتاب بتشان”، وكانت تحقق إيرادات لشباك التذاكر، وتزيد أموال المنتجين.
وأخذت طبقة المثقفين والمهنيين دورها بالمرتبة الثالثة، فعملوا على إخراج السينما من إطار السينما التقليدية الترفيهية الهندية إلى أفلام جادة تحاول أن ترسخ مكانها بين الأفلام الطاغية على دور العرض.
وتبقى طبقة الشودر أو الهاريجان وهي الطبقة العريضة الواسعة الفقيرة التي تشكّل غالبية جمهور السينما الهندية بغية الخروج من واقعهم التعيس إلى عالم الأحلام.
السينما الدينية
ويستحضر الكاتب تاريخ السينما الهندية ونوعية الأفلام منذ الخمسينيات، إذ كانت موضوعاتها بعيدة عن مشاكل الناس ومعاناتهم، تكرّس الخرافات والاستسلام للواقع، فيثير كتّابها الأشجان، ويكثرون من الأغاني والاستعراضات الراقصة والعنف الذي ينتهي بانتصار البطل. وتوقف عند أفلام أميتاب بتشان الشهير بقامته وحركاته الاستعراضية وتفننه بالرقص، وأفلامه المبنية على العنف والأحداث المثيرة.
وتتنوع موضوعات السينما الهندية، إلا أن السينما الدينية تعد سمة أساسية فلا يخلو فيلم من طقوس تؤدى في المعابد، وفي جنوبي الهند في ولاية كرناتكا تمكن راما كرشنا راو، وهو ممثل هندي اشتُهر بأدائه أدوار الآلهة في الملاحم التي أنتجتها السينما الهندية كالراميانا والمهارباتا وحروب كرشنا، كما اشتُهر بتقمصه شخصيات الآلهة فشنو وشيفا.
كما انتشرت أفلام العنف والإثارة مثل فيلم لورايس، والأفلام العاطفية ذات المشاهد الحميمة، مثل فيلم “إيك دوجي كليه” ويعني “خُلقا لبعض”، بطولة كمال أحسن، ويدور حول قصة حب مأساوية تنتهي بموت الحبيبين. وتناولت بعض الأفلام قصصاً عاطفية حقيقية مثل فيلم “نديا كوبار” أي “وراء النهر”، وقد تميز بأغنياته بلهجة أهالي منطقة ولاية أتار براديش، وينتهي بعودة البطلة إلى حبيبها. وبعد حين انتشرت الأفلام الاجتماعية التي تطرح قضايا الناس مثل فيلم “أنتي سي بات” ويدور حول تبادل الأدوار بين الزوج والزوجة بأعمال المنزل وفشل الزوج.
ويخلص د.عمران إلى أنه في العامين الأخيرين بدأت بعض المجموعات السينمائية الجادة بإنتاج أفلام تتعلق بواقع الشعب الهندي من الفقر والتخلف والجوع والاستغلال، مثل شاكرا وآرث وكالكا دامول وغيرها.
ملحمة تنشد بالمعابد
ومن زاوية أخرى، اختار الكاتب ملحمة “الرامبانا” فلخص أحداثها ضمن الكتاب، وهي قصيدة جميلة تتألف من ثلاثة وأربعين ألف بيت مزدوج، صيغت قبل الميلاد بثلاثة قرون على لسان فيلمينكي، سمعها من أحد القديسين على شكل حكاية ثم صاغها شعراً جميلاً” ويستغرق نشيد أبياتها في المعابد ستة أيام، وتمثلها الفرق المسرحية، وأنتجت أفلام عديدة عنها.
الانفصال بين الهند وباكستان
وفي القسم الأخير من الكتاب، كتب عن أهم الكتّاب، وألحق السيرة الذاتية لهم وتحليلاته بحوارات أجراها معهم، مثل الكاتب ديفندر إيسر، وهو من أكثر الكتّاب الهنود شعبية لدى المثقفين، كتب في جميع أنواع الفنون الأدبية، كان أهله يعيشون في الباكستان قبل انفصالها عن الهند في أواخر أربعينيات القرن الماضي، ثم هاجروا إلى الهند بعد الانفصال، فيقول عن هذه المرحلة: “حدث اضطراب سياسي كبير عام 1946 في أنحاء الهند، وبدأت ملامح الانفصال بين الهند والباكستان، وراح الناس الذين كانوا يعيشون حياة مشتركة، يتساءلون هل سيضطرون للنزوح وعبور الحدود”.
بين الأدب والترجمة
كما كتب عن الشاعر الهندي “ك.ك. ناندان”، وهو عضو في جمعيات شعرية وقصصية ومنتديات، ويهتم بالرسم والموسيقا، إضافة إلى السياسة، وقد تحاور معه، في دلهي، في مكتبه كرئيس تحرير لمجلة دينامان”، ودار الحوار عن أنواع الكتابة التي لها أثر خاص بالنسبة إليه، وعن دور الشعر وخصوصية القصيدة الحرة والترجمة.