اقتصاد الظل.. انتشار يحبط مساعي تحقيق القيمة المضافة في الإنتاج والعمل
دمشق – البعث
رغم القرارات الحكومية الوقائية والسريعة إلا أنّ نشاط اقتصاد الظلّ بات أكثر حضوراً على الساحة الاقتصادية، وخاصة لجهة التهرّب من أي التزامات ضريبية أو رقابية تُعنى بالجودة، حيث فضّل العديد من الصناعيين البحث عن أماكن جديدة في الأقبية للعمل فيها بعيداً عن القانون والأنظمة المتعلقة بالمعامل والمصانع، لتأخذ مسارها الطبيعي في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني. ومن هنا بدأت تظهر مخاوف أهل الاختصاص بما يتعلق باقتصاد الظل وتبعاتها السلبية على الاقتصاد الكلي، حيث لا مجال لبقاء هذه الصناعات في الأقبية.
ويؤكد العديد من الاقتصاديين أن اقتصاد الظلّ يأخذ العديد من الأشكال، منها التهريب وتجارة المحروقات والأسلحة والآثار، وغير ذلك من الأعمال التي تهدر ثروات البلد وتدخل في مصالح تجار الحرب، إلا أن ما يهمّ في هذا السياق يتجلى في نشاط الأقبية، والتي انتشرت بشكل غير قانوني على نطاق واسع في ظل اقتصاد مبعثر ومنفصل مناطقياً، بدرجات متفاوتة، بسبب محدودية فرص العمل التي يمكن توفيرها خلال الحرب لتأمين متطلبات العيش. كما يؤكدون أن مشكلة عمل الأقبية والتي تعتبر شكلاً مهماً من أشكال اقتصاد الظل أنها لا تخضع للأنظمة والقوانين، فالعاملون فيها غير مسجلين لدى مؤسسات التأمينات الاجتماعية، ومعظم تلك الوحدات الإنتاجية غير مسجلة لدى الأجهزة الحكومية المختصة، وبالتالي يبقى إنتاجها خارج الحسابات الاقتصادية للناتج والدخل القومي وخارج الإحصائيات الرسمية للدولة، النقطة الأهم هي أن وحدات إنتاج السلع والخدمات التي تعمل في اقتصاد الظل بكلّ أشكاله لا تدفع الضرائب وفي الوقت نفسه تستفيد من كل الخدمات العامة التي تقدمها الدولة.
والمفارقة الصناعية والاقتصادية تكمن اليوم في أن العديد من المعامل والمصانع التي عملت بشكل رسمي، وخضعت للقوانين والأنظمة ودفعت الرسوم والضرائب مقابل الخدمات العامة، تعاني من الفارق بين سعر السلع المنتجة فيها وتلك السلع التي أنتجتها الأقبية، ويرون أن المنافسة بين الطرفين أصبحت غير عادلة، فاقتصاد الظل المتمثل بالأقبية أصبح أقل تكلفة، وبالتالي فإن المنافسة بينها وبين الاقتصاد الرسمي غير عادلة وغير منصفة، فوحدات الاقتصاد الرسمي أصبحت غير قادرة على منافسة وحدات اقتصاد الظل حيث نفقات عناصر الإنتاج أقل في اقتصاد الظل، وهذا يعطيها ميزة تنافسية، وبالتالي تتحول الموارد من الأنشطة التي تعمل بكفاءة وتلتزم بالمعايير والمواصفات القياسية والصحية وتدفع ضرائب إلى الأنشطة الأقل كفاءة أمام المنتجات التي لا تدفع ضرائب ولا تلتزم بأية معايير، والأثر الأخطر هنا هو دفع وحدات الاقتصاد الرسمي باتجاه اقتصاد الظل كي يصبح منافساً، بالإضافة إلى أن معظم الأموال الناجمة عن نشاطات اقتصاد الظل غير المشروعة يتمّ تهريبها خارج القطر مما يؤثر سلباً على ميزان المدفوعات وعلى سعر الصرف وعلى مصادر تمويل الاستثمارات.
بعض أصحاب المنشآت المدرجة في اقتصاد الظل يرون أن لاقتصاد الظل آثاراً اقتصادية واجتماعية إيجابية تتمثل بامتصاص جزء من قوة العمل، وبالتالي المساهمة في تخفيف حدة البطالة، فعمل الأقبية برأيهم يوفر فرصة أمام بعض شرائح المجتمع لزيادة دخلهم، كما أنه أكثر مرونة على التكيف مع الأزمات والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتغيّرة وأكثر ديناميكية على تجنّب الإجراءات التنظيمية، وأكثر قدرة على الاستجابة للتغيرات في الاقتصاد مقارنة بالاقتصاد الرسمي، لأنه يشكل عامل امتصاص وتخفيف للاحتقان في فترات الانكماش والأزمات الاقتصادية والحروب، كما يوفر اقتصاد الظل الكثير من السلع والخدمات التي تلبي احتياجات المجتمعات المحلية والتي قد لا يوفرها الاقتصاد الرسمي أو قد تكون أسعارها مرتفعة.
بالمحصلة، لا يمكن الاعتماد على اقتصاد الظل “الأقبية”، فهذه المرحلة الصعبة تستوجب الكثير من الدقة والحذر والابتعاد عن الرهانات الخاسرة، وأصبح من الضروري العمل تحت سقف القانون من أجل تحقيق القيمة المضافة في الإنتاج والعمل ضمن معايير ومواصفات تنافسية داعمة للمنتج وللاقتصاد الوطني.