اقتصادصحيفة البعث

تحدّ صريح..!

قسيم دحدل

في توضيح لها حول التغيرات السريعة والمرعبة في زيادة الأسعار والتقلب الاقتصادي في تكاليف المواد والسلع، أعلنت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أنها ستعمل على التأكد من التكاليف الفعليّة لباعة نصف الجملة والمفرق بشرط أن يعلنوا عن أسعار بيعهم بشكل واضح وحقيقي للمستهلك، لذلك فهي تهيب بجميع الباعة وضع الأسعار لكل أنواع المواد والبضائع المعروضة في محالهم دون الخوف من الضبوط التموينية.

كذلك أعلنت أنه وبالنسبة للمستوردين وتجار الجملة، فإن إصدارهم لفواتير وهمية سوف يعرضهم للعقوبات بموجب المرسوم التشريعي رقم ٨  للعام ٢٠٢١، لذلك فإن كل من يعلن عن أسعاره ويصدر فواتير بيع حقيقيّة سوف تناقش معه التكاليف قبل كتابة أي ضبط، أما من لا يعلن عن الأسعار أو يمتنع عن إصدار فواتير نظامية أو يصدر فواتير وهميّة، فسوف يخالف فورا.

ولم يكد يمر على إعلان الوزارة وتوضيحها بضع ساعات، حتى جاءها رد، من أحد أعضاء مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، أكد فيه أنه إذا ما تم تطبيق القــوانين فلن يبقى “ولا محل فاتح”، لأن كل الفعاليات تعمل خارج المنظومة السعرية.. وفوق ذلك، أوضح أنه لا يؤمن بوجود بيانات تكلفة، وأن الكل أصبحوا بحكم المخالفين!

طبعا ما قاله عضو مجلس الغرفة هو لسان حال كل التجار وغيرهم، ولعل صراحته، وبما تضمنته من مخالفة صريحة ومعلنة، تدعو للتساؤل: كيف ستستطيع الوزارة ضبط الأسعار، وقبلها ضبط حقيقة التكاليف، في ظل الوصول إلى مواجهة معلنة بين الوزارة والتجار وبائعي نصف الجملة والمفرق، وتلويحهم بعصا الإغلاق وتوقف الأعمال، أي شل الحركة التجارية والاقتصادية، وما يستتبع ذلك من أثار سلبية جدا؟!

هذا المنطق التجاري، وبما يمثله، هو منطق مرفوض شكلا ومضمونا، ولهجة التحدي والتهديد بالإغلاق وتوقف الأعمال تعارض أبسط أخلاقيات العمل التجاري ومسلمات العلم الاقتصادي، كونه لا يعتمد فقط على حساب التكاليف الفعلية التي على أساسها تتحدد الأسعار شبه الحقيقية، لا بل ويرفضها بحجة التغيرات في سعر الصرف وتتابع التبدل في التكاليف!!

إن هذا التفلَّت الصارخ من مسؤولية حماية القدرة الشرائية لليرة، والاستباحة القانونية لقواعد العمل التجاري، والإبقاء على ذريعة تبدل سعر الصرف لتبرير المخالفة، هو – كما يقال – “عذر أقبح من ذنب”، إذ كيف يُعقل أن ترتفع الأسعار في وقت ينخفض سعر الصرف..!؟، كما كيف يمكن تبرير زيادة الأسعار حين ثبات سعر الصرف خلال الدورة التجارية المالية الواحدة، للمواد والسلع، سواء كانت مستوردة أو مصنعة محليا..!؟

لا شك أن دعوة الوزارة التجار لمناقشة التكاليف سوياً هي دعوة مهادنة تظهر الوزارة بمظهر العاجز عن فرض قوانينها، وأن تكون كلمتها هي العليا، في وقت يجب أن يُترجم ويتقدم فيه مفهوم “حماية المستهلك” على كل شيء، في ظل تدهور الوضع المعيشي بشكل مرعب.

بالمقابل، إن “تفرعن” التجار وزمن احتكارهم للأسواق والتحكم بمعدلات زيادة الأسعار على هواهم، مستغلين الحصار والعقوبات والتغيرات المفتعلة على سعر الصرف، لن يدوم. ومن المتوقع أن الأيام القادمة ستشهد تبدلات جوهرية في المشهد التجاري والاقتصادي، لصالح توازن الأسواق والأسعار، على عكس ما يراهنون عليه من استمرار للحال.. ويندمون ساعة لا ينفع الندم.

Qassim1965@gmail.com