سلوى الجابري.. وداعاً أيقونة مسرح العرائس!
أمينة عباس
خسرت الساحة المسرحية في سورية المخرجة سلوى الجابري المعروفة بمسيرتها الغنية في عالم مسرح العرائس، وهي التي تحمل درجة الماجستير في الإخراج لمسرح العرائس من بلغاريا، وكانت لفترة طويلة المخرجة الوحيدة لهذا النوع من المسرح في بلدنا، وقد استلمت إدارة هذا المسرح من العام 1985 وحتى العام 2003، وعملت على تطوير صناعة العرائس وتنشيط مسرح الطفل من خلال إخراج مسرحيات جديدة وإعادة عرض المسرحيات القديمة الجيدة، إلى جانب سعيها لتطوير صناعة العرائس، خاصة وأنها اهتمت كثيراً بصناعة العرائس أثناء دراستها في الخارج وخضوعها لدورات حديثة ومتطورة، فصنعت دمى تستطيع فتح فمها وتحريك عيونها، كما عملت على إدخال المؤثرات الصوتية المسجلة وإضافة الكثير من البروجكتورات للإضاءة، واستعمال التسجيل للأغاني والموسيقا، كما شجعت صناعة دمى كبيرة يمسكها اللاعب من الخلف ويتحرك معها، وتركت تأثيراً قوياً على الأطفال كما في مسرحية “الوردة البرية” حيث أشركت الصالة في العرض بإدخال دمية كبيرة يلبسها شخص من باب الصالة في مسرحية “الفيل الصغير”، كما عملت أيضاً على إشراك مسرح العرائس في مهرجانات عربية وأجنبية للاستفادة من خبرات الآخرين، وحصل حينها مسرح العرائس السوري على شهادات تقدير من جميع المهرجانات التي شارك بها.
ضرورة
آمنت الجابري أن مسرح العرائس ضروري جداً للطفل لأن له خصوصيته التي تتجسد بالدمية، فكل طفل عنده دمية منذ ولادته يتحاور معها ويرافقها ويبثها آلامه وأحلامه، ومن واجبنا أن نحترم طفلنا ونقدم له مسرحيات جيدة ومفيدة حتى يكتسب المعلومة والثقافة والتسلية ويسمع الموسيقا التي يحبها، ويرى ما يرغب به. وكان يؤلمها وجود نقص كبير في الكوادر المؤهلة للعمل في مسرح العرائس، أي تلك الخاضعة لدورات تدريب على ماهية الدمية وأنواعها وتحريكها، وماهية مسرح العرائس، ولمن هو موجه، وكيف يجب أن يكون ممثل العرائس، وما هي صفاته وبماذا يمتاز، وكيف يتعامل مع الدمية، وكيف يجعلها تحسّ وتتكلم، وكيف ينقل الممثل إحساسه إليها، وإقناع الطفل أن الدمية هي التي تتكلم. وهذا التدريب – برأيها – يجب أن يتم عن طريق مختصين في هذا المجال لهم تجربة في التعامل مع أنواع متعددة من الدمى. وكانت دوماً تنادي بأن تُدَرَّس مادة مسرح العرائس في المعهد العالي للفنون المسرحية كمادة اطلاعية عن تاريخ هذا المسرح وطبيعة الدمى وأنواعها، والاشتراك في مسرحيات صغيرة لمسرح العرائس، ويكون هذا من ضمن دراسة طلاب المعهد حتى يكونوا على علم بمسرح العرائس وكيفية العمل فيه.
الكتابة للطفل ليست سهلة
كانت سلوى الجابري تؤكد على أن الكتابة للطفل ليست سهلة، لأن مخاطبة الطفل تحتاج إلى دراية ومعرفة دقيقة لمتطلباته والفهم التام لنفسية الطفل وعمره، وماذا يريد من هذه الحياة، فالطفل ذكي وذو شخصية مستقلة ويريد كل شيء وعجول ويحب التكرار والتنوع، وله لغة خاصة يتخاطب بها مع من هم من أمثاله، ومع من هم أكبر منه سناً أو أصغر، وهذا ما يجعل الكتابة لمسرح الطفل والعرائس أكثر صعوبة من الكتابة للكبار، مع مراعاة الكتّاب – عند كتابتهم لمسرح الأطفال – هذه الخصوصية، وأن يتكلموا بلغة الطفل وأن تكون المواضيع شيقة ومثيرة وتطرح أمامه أسئلة حتى يبحث عن جواب لها. وكان يحزنها دوماً أن البعض كان يرى أن مسرح العرائس لا يتناسب مع عصر الكومبيوتر والفضاء الذي دخل عالم الطفل في ألعابه ودراسته، مؤكدة أن الكومبيوتر سيبقى جهازاً جامداً، وأن الطفل اليوم بأشد الحاجة إلى الحفاظ على توازنه النفسي والوجداني، وهذا ما يؤمّنه له مسرح العرائس البسيط والدمية البسيطة بالقياس مع ما ينتجه الكومبيوتر من غرائب يقف الطفل أمامها وحيداً، في حين أن الطفل في المسرح يشارك أصدقاءه وزملاءه مشاهدة قصص وحكايات سمعها في صغره. كما كانت الجابري تؤمن أن مسرح العرائس لا يتوجه للصغار فقط، بل للكبار أيضاً، إذ قُدّمت عالمياً عروضُ دمى عن نصوص لشكسبير وموليير، أبطالها دمى كبيرة، ونجحت هذه التجارب بشكل كبير وأصبح لها جمهور من الكبار، وقُدّمَت هذه المسرحيات في روسيا وفرنسا وإيطاليا، وغيرها.
تفاصيل
كانت الراحلة الجابري توضح دائماً في حواراتها أن عروض مسرح العرائس يجب ألا تتعدى ساعة من الزمن، وهذا ينطبق على مسرح الطفل أيضاً، لأن الطفل لا يستطيع المكوث في مكان واحد ساعة كاملة، فكيف إذا كان العرض ساعتين أو أكثر؟ عندها سيتشتت ذهنه ولن يستطيع إتمام العرض وفهمه.. والموسيقا والغناء مهمان جداً في عروض هذا المسرح، لأنهما يضفيان جواً متكاملاً على العرض، لذلك كانت ترى أن الموسيقا يجب أن تكون طفولية حديثة، والآلات المستعملة مما يحبه الأطفال، أما الأغاني فيجب أن تؤلَّف كلماتُها بما يناسب النص، وألا تكون مقحمة أو بعيدة عن النص والحدث في المسرحية، وأنها بالإضافة إلى دورها المهم تعطي استراحة للطفل أثناء العرض. أما الألوان في المسرحية فهي مهمة جداً.. تقول: “اختيار الألوان المنسجمة الواضحة يحرك الحس الجمالي عند الطفل، خاصة إذا كانت توافق اختياراته، فإذا لاحظنا طفلاً يرسم بالألوان نلاحظ أن ألوانه مختلفة عن ذوقنا، نحن الكبار، لذلك يجب الأخذ بذوق الطفل في ألوانها وانسجامها مع بعضها”.
المخرجة
تعاملت سلوى الجابري كمخرجة مع الأديبة دلال حاتم عبر نص “الكنز”، كما قدمت تجربتين مع الكاتب حسن م. يوسف هما “الأصدقاء الستة” و”الكلب الأزرق”، وقد نجحتا نجاحاً كبيراً، كما سبق لمسرح العرائس وضمن مهرجان دمشق الثقافي إعادة مسرحيتها “حارس الغابة يا صديقي” تأليف فاليري بيتروف، علماً أن المسرحية سبق وأن قدمتها الجابري لأول مرة عام 2001، ليعاد تقديمها ثانية عام 2008، ومن ثم في العام 2010، ضمن فعاليات مهرجان ربيع الأطفال السادس، تكريماً لها.