جلوس على القشّ..!
علي بلال قاسم
لا يخفى على أحد خطورة الوسائط والوسائل التي تنتهج “التلميع” مطية لإرضاء المصالح على حساب المجتمع والمصلحة العامة، حيث يكثر أولئك الذين احترفوا وجه الفساد هذا، ولا داعي للإفصاح أكثر، ففي مهنتنا لا مكان للأسرار، وثمة من يوجد “في رقبته شوكة توخزه” عند الإتيان بهذا الكلام.
هنا يصر الكثير ممن تربى على عقلية “تمسيح الجوخ”، وتوطين شرطي الرقيب في دماغه، على تسويق أي نشاط أو تحرك لهذا المسؤول أو ذاك، أو أي إنجاز روتيني لبعض المؤسسات، على أنه إنجاز حقيقي بلا منازع، ولا مانع من الاستفاضة في المديح لدرجة تصنيف ما يقوم به “صاحب المعالي” ضمن قائمة البطولات الوطنية التي تستحق التمجيد؟
عبر عقود تأصلت ثقافة سلبية مفادها التهليل والتصفيق الحار لكل ما يخرج عن الوزير أو المدير أو المحافظ أو صاحب السلطة الوصائية، لتسري العادة على جميع المفاصل والقطاعات. وللأسف، كان الإعلام دائماً في خندق الاتهام، حيث مارس ولم يزل، في بعضه، تطبيلاً وتزميراً خطيراً ضرب بالحائط كل الأدبيات المتعلقة بالعمل العام، وهنا كانت المأساة مع جسم إعلامي ورث لعنة “الجلوس على القش”، تجنباً لأي مواجهة مهنية.
قد تبدو المسألة في عمومياتها خوفاً وحذراً ومداراة وواجباً وظيفياً تجاه المفاصل، ولكن دعونا نعترف، بشهادة العارفين من “أهل الكار”، أن الحقيقة تقوم على المحاباة والتقرب الذي يسلكه من يدعي أنه “هيكل” الصحافة السورية، وبالتالي تقديم الإدارات بصورة غالباً ما تكون عكس الحقيقة، وهنا يكون الضحك على النفس والقارئ معاً، أما ضحكات المسؤول فهي ثمار مقطوفة تتعلق بالرضا عليه، وعلى أدائه وضمانا لمستقبله على الكرسي.
لطالما يُسأل أصحاب القرار عن الهوامش وسقوف العمل وخطوط التعاطي مع أخبار المسؤولين، ليأتي الجواب أن الحرية مفتوحة في تحديد المهم من الأهم، ومهنية الإعلامي هي تقييم الأداء والأنشطة. ومع ذلك، هناك من يصر على ما هو عليه دون تطوير لتصل المسألة إلى درجة عرض بروفة المادة الصحفية على المسؤول، ليدبج تعديلاته المقرونة بحذف السلبي وتوسيع الإيجابي، ومن ثم يخرج الصحفي مسلحاً بالرضا المنشود والتكريم المعهود.
نافل القول: ما المهم في جولة تفقدية لوزير أو لمدير؟ وما الإنجاز في توقيع بريد عادي وروتيني؟ وما الذي يعنيه الوقوف على الأداء؟ ولماذا صف صور لقاءات مع المواطنين؟ كل ذلك لا يعدو كونه واجباً وظيفياً لا يستحق الذكر في وسائل الإعلام، أو صفحات التواصل المحسوبة التي تنشط هذه الأيام كمنصات شخصية لا مؤسساتية..
وهنا نسأل أنفسنا، نحن معشر الصحفيين: ماذا يفيد المواطن إذا استهللنا الخبر بتعداد الحضور بالاسم فرداً فرداً، حيث يغضب أحدهم إن سقط اسمه سهواً من سياق الخبر أو التغطية؟ وأين المعلومة في اختزال الوزارة والمؤسسة في شخص الوزير أو المدير؟ أليس ذلك فساداً…؟!