حرية التعبير على النمط الأمريكي
عناية ناصر
كشف الرئيس التنفيذي لشركة “تويتر”، إيلون ماسك، مؤخراً أن جميع منصات وسائل التواصل الاجتماعي تعمل مع حكومة الولايات المتحدة لفرض رقابة على المحتوى. وفي هذا الشأن، كتب ماسك في تغريدة له على موقع تويتر، في 27 كانون الأول الماضي، إن “كل شركات التواصل الاجتماعي تخضع لرقابة شديدة، مع مشاركة كبيرة، وفي بعض الأحيان، بتوجيه صريح من الحكومة، وإن شركة غوغل غالباً ما تزيل الروابط، على سبيل المثال”.
ووفقاً للوثائق الصادرة عن ماسك، تآمرت منصة التواصل الاجتماعي مع مكتب التحقيقات الفيدرالي، ووكالة المخابرات المركزية، والبنتاغون، ووكالات حكومية أمريكية أخرى، لقمع المعلومات المتعلقة بالانتخابات الأمريكية، وأوكرانيا، وجائحة كوفيد-19.
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة “نيويورك بوست”، في منتصف كانون الأول الماضي، تعامل مكتب التحقيقات الفيدرالي وغيره من منظمات إنفاذ القانون مع “تويتر” كداعم له، حيث قاموا بالإبلاغ عن العديد من الحسابات بسبب “معلومات مضللة” زعموا أنها ضارة منذ كانون الثاني عام 2020.
يظهر ما كشف عنه ماسك، وتقارير وسائل الإعلام الأمريكية بوضوح، كيف تفقد الولايات المتحدة جاذبيتها العالمية، فهي تبيع ما تسميه حرية التعبير المطلقة لدول أخرى، بينما لا تمتلكها الولايات المتحدة نفسها. لقد أعطت الولايات المتحدة للعالم، ولفترة طويلة، انطباعاً بأن الولايات المتحدة لديها سيطرة فضفاضة جداً على وسائل التواصل الاجتماعي، ويمكن للناس التعبير عما يريدون على وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا هو النور الذي اعتادت الولايات المتحدة، التي تسمى بمنارة الحرية والديمقراطية، نشره للعالم. لكن ما يكشفه ماسك هو ضربة قوية لحرية التعبير على النمط الأمريكي.
وفي هذا الإطار، قال شين يي، أستاذ في جامعة فودان: “من الناحية العملية، تتمتع حكومة كل دولة بسيطرة معينة على وسائل الإعلام، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي. لكن حرية التعبير المطلقة التي تروج لها الولايات المتحدة تظل بعيدة عن الواقع السياسي، وهذا صحيح بشكل خاص في الولايات المتحدة”.
إن حرية الكلام تعتبر نقية من حيث المفهوم، لكنها ليست نقية في الممارسة، فعندما يتم استخدامها في النضالات السياسية، يتم تحديد تعريفها وحدودها من قبل الجانب القوي والمنتصر، وعندما يتعين عليها أن تخدم النظام السياسي والأيديولوجيا والمصالح الوطنية للولايات المتحدة، فإن أي شخص بغض النظر عن منصبه وخلفيته سيواجه رد فعل عنيف إذا تم اعتباره من قبل السلطات تهديداً للنظام الأمريكي، والأمثلة على ذلك إدوارد سنودن، وجوليان أسانج.
تقوم الولايات المتحدة بالتسويق للمفهوم الذي لا ينطبق حتى على نفسها، وتنتقد سيطرة الحكومات الأخرى على وسائل الإعلام حيث تأمل، في نهاية المطاف، أن يكون بمقدورها تحقيق هدفها المتمثل في التسلل إلى بلدان أخرى، وإطلاق ثورة ملونة للإطاحة بالحكومات التي لا تحبها، وكل هذا يتعلق بالهيمنة الأمريكية ويتم في ظل الأيدي الخفية للحكومة الأمريكية.
وفي هذا الخصوص، كشفت إليزابيث موراي، عميلة استخبارات متقاعدة قضت 27 عاماً في وكالة المخابرات المركزية، وغيرها من المنظمات الاستخباراتية، لوسائل الإعلام الأمريكية كيف يعمل “الباب الدوار” بين وسائل التواصل الاجتماعي، ومختلف فروع الحكومة الفيدرالية، حيث ينتقل الأفراد من واحدة إلى أخرى.
ما يراه العالم هو أن منصة التواصل الاجتماعي التي يجب استخدامها كوسيلة للوصول الناس إلى المعلومات، ومشاركتها أصبحت أداة للسلطات الأمريكية لنشر معلومات كاذبة والتلاعب بالرأي العام الدولي.
لقد أصبحت الولايات المتحدة أكبر ناشر للمعلومات المضللة، وأكبر منافق في العالم، بدءاً من إطلاق “مشروع الطائر المحاكي” خلال الحرب الباردة، إلى استخدام “مسحوق الغسيل”، و”الخوذ البيضاء” لشن الحروب ضد العراق وسورية في القرن الحالي، إلى اختلاق الأكاذيب للتشهير بسياسات الصين.