وهن النظام السياسي الأمريكي وانقسامه
ريا خوري
مع دخول الرئيس الأمريكي جو بايدن مرحلة النصف الثاني لولايته، ظهر بشكلٍ جلي عدد كبير من الأزمات الكبرى، وهي أزمات حادة تواجه إدارته داخلياً وخارجياً تبدأ من الكونغرس المنقسم على ذاته، وسيطرة المعارضة الجمهورية على مجلس النواب بشكلٍ شبه كامل، ولا تنتهي بحالات التضخم المترافقة مع التأزم الاقتصادي، وصولاً إلى تعقيدات المشهد الدولي الساخن الذي يتصدره الصراع العسكري والسياسي والاقتصادي في أوكرانيا، كما تعاني الإدارة الأمريكية من أزمة الموقف من جمهورية الصين الشعبية، والتوتر الحاد في شبه الجزيرة الكورية، مروراً بالأزمات البنيوية التي تخيم على دول الاتحاد الأوروبي اقتصادياً واجتماعياً .
وفما يمنح تسلم الجمهوريين رئاسة مجلس النواب دوراً حاسماً في أجندة تحقيقات صارمة ستكون لها صبغة انتقامية صرفة، تضرب الانقسامات الحزب الجمهوري مجدداً وتتعدد الرؤوس الطامحة إلى زعامة الحزب، وخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، والجلوس في البيت الأبيض، بينما الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي لم يعترف حتى هذه اللحظة بنتائج الانتخابات السابقة، ما زال مصمماً على الفوز بترشيح حزبه الجمهوري في انتخابات الرئاسة مرة أخرى العام القادم.
وسيعمل الجمهوريون على توظيف أقصى ما في سلطتهم لإحراج البيت الأبيض، وما يأخذه من قرارات وقوانين وتشريعات عبر فتح سلسلة من التحقيقات الهادفة أيضاً إلى تعرية الحزب الديمقراطي أمام الرأي العام الأمريكي والعالمي. صحيح أن بعض تلك التحقيقات يتصل بقضايا حرجة جداً، وبعضها الآخر له صلة مباشرة بتداعيات الانتخابات الرئاسية السابقة، ولكن لن يكون بمقدورهم حسم الأمور كما يرغبون ويخططون طالما يسيطر الديمقراطيون على مجلس الشيوخ، ويمتلك الرئيس جو بايدن حق النقض.
البداية ستكون من إحياء الذكرى السنوية الثانية لهجوم السادس من كانون الثاني على الكابيتول الذي نفذه متطرفو الحزب الجمهوري اليمينيون الشعبويون، وستكون هذه المناسبة أول فرصة مواتية للصدام المباشر بين الحزبين الكبيرين، وربما يتطور الصدام إلى سجالات عنيفة جداً تؤثر سلباً على النظام الساسي الأمريكي، بحسب ما يتداعى من مواقف وآراء وتصريحات نارية من كلا الطرفين.
والنتيجة المستوحاة من كل ذلك التشابك أن المشهد الأمريكي بشكلٍ عام غارق في مستنقعات وأزمات عميقة جداً، لم يتم تداركها بعد، ولم يتم حسم استطالاتها واستحقاقاتها، وهي مرشحة لتفاعلات ساخنة وواسعة.
المشاكل التي يعاني منها الداخل الأمريكي ليست وليدة اليوم على الإطلاق، حيث ظهرت في نهاية الحرب الأهلية، عام ١٨٦٥، انقسامات حادة هزتّ وما تزال يهزّ المؤسسات الفيدرالية. وزاد من حدة تلك الأزمات أن الولايات المتحدة الأمريكية تواجه وضعاً دولياً سيئاً جداً، وقد اعتبره عدد كبير من الخبراء الاستراتيجيين غير مريح يكاد يفلت فيه زمام النظام الدولي من القبضة الأمريكية، فقد أرهقت جائحة كوفيد ١٩ الشعب الأمريكي، ونبهته إلى ضعف ووهن ومحدودية قوة الدولة العظمى الأولى في العالم، وأنّ أداءها في مواجهة الجائحة كان مرتبكاً وضعيفاً. ثم جاءت الهزيمة في العراق وأفغانستان التي أكّدت تراجع فائض القوة والجبروت الأمريكية عالمياً، وزاد عليها الحرب في أوكرانيا لتجد الولايات المتحدة نفسها في موقف حرج، وهي تقف أمام خصم روسي قوي عنيد لا يتنازل عن حقوقه وطموحه.
الوضع القائم لم يتغير، وكلما طالت الأزمة زاد الاستنزاف وانكشفت الولايات المتحدة على حقيقتها أكثر، وأصبحت الخيارات السياسية والتفاوضية محدودة بما يربك الوضع الداخلي الأمريكي الذي يزداد انقسامه يوماً بعد يوم، ويضع نقاط استفهام عديدة حول مآلات الحالة الأمريكية، واستحقاقاتها في ظل معمعة من الأزمات والتحديات المتراكمة يوماً بعد يوم .