ساحة الحطب تحتفل بأمسيات موسيقية وأكواخ تراثية في القرية الميلادية
حلب – غالية خوجة
كل شيء يجمعنا في وطننا الحبيب بدءاً من المحبة والشهادة والفخر والتضحية والصبر والتعاون ولا انتهاء بالأعياد، وهذا ما يعكسه كل شبر من سوريتنا ومنها حلب الشهباء التي ما زالت تحتفل بذكرى التحرير والانتصار والميلاد، فتزيّن أشجارها وساحاتها ومبانيها ومنازلها وقلوب ساكنيها بالفرح النابت مثل الوردة من بين الحجارة والتشققات وحرائق الآلام وآثار التدمير الإرهابي، لتزهر الأيام بشمس جديدة تتلألأ في مهرجان القرية الميلادية بساحة الحطب وفعالياته الثقافية المختلفة الأدبية والفنية والموسيقية التي أقامتها عدة جهات وتشاركت فيها الأديان، وحضرها رجال الدين المسيحية والأرمنية والإسلامية، وأحيتها فرق متنوعة منها فرقة أنكلو والفرقة النحاسية لكشاف جمعية الشبيبة الأرمنية، ومنها الأمسية الكورالية الموسيقية التي حضرتها “البعث” وأحيتها جوقة “إيل” للأرمن البروتستانت بحضور شخصيات رسمية وثقافية وفنية عديدة، منها هاروتيون سليميان رئيس طائفة الأرمن البروتستانت في سورية.
وعن هذه الأمسية تقول أروسياك دير أرتينيان مديرة مدرسة الحياة: نتشارك معاً روحاً وشعوراً وعاطفة، ونؤكد أن الميلاد المجيد هو ميلاد السلام والمحبة في مدينتنا وبلدنا والعالم وأنحاء الأرض والكون، ويشارك طلابنا في هذا الكورال وهم 30 طالباً وطالبة، من صفوف ومراحل دراسية بين الابتدائية والإعدادية والثانوية بقيادة السوبرانو سمية حلاق، وإشراف الفنانة تمار صوغويان مديرة المعهد الموسيقي الأرمني، وعازفة البيانو الفنانة روزان بارسوميان، واسم الجوقة “بيت إيل” يعني بيت الإله بينما إمانويل فتعني الله معنا، وها نحن نحتفل وننتصر ونستمر لأن الله معنا.
كورال أوبرالي بعدة لغات
وداخل الخيمة الميلادية الشفافة المزدانة بالأشجار والأضواء صدحت الحناجر وتداخلت أضواء شجرة الميلاد الكبيرة الواقفة في الساحة مع أشعة القمر ومجسمات الغزلان مع ابتهالات القلوب الصغيرة المنشدة بطريقة أوبرالية تقشعرّ لها القلوب والأرواح والحضور الذي امتد لخارج الخيمة، فازدحمت الساحة كعادتها في أيام الاحتفالية التي يتمنّى الجميع ألاّ تنتهي قريباً.
وعن مشاركتها قالت الفنانة المشرفة تمار صوغويان: اليوم مختلف لأننا نحتفل برسالة السلام من حلب للعالم، وبشعاع محبة يسوع المنتشرة في العالم، ونقدم إحدى عشرة فقرة غنائية بين ترتيلة وأنشودة وموروث، وبعدة لغات منها اللاتينية والعربية والأرمنية والإنكليزية والفرنسية.
وعبّرت الفنانة روزان بارسوميان عن سعادتها بمشاركتها للجوقة من خلال عزفها على آلة البيانو: سعيدة ونحن نحتفل بمناسبة عيد الميلاد المجيد لدى الكنيسة الأرمنية، وما معه من أعياد منها رأس السنة وانتصار حلب، وهذه المرة الأولى التي أشارك فيها في غير الصالات، لأن المعتاد لآلة البيانو أن تكون في الصالات، وهي تجربة جميلة أتمنى لو تكون في مختلف الأماكن الأثرية والعامة، كما أن فكرة القرية الميلادية رائعة، خاصة وأنها في ساحة الحطب.
وبدورها قالت الفنانة المسرحية هوري بصمه جيان: سعيدة جداً بأجواء العيد والحفلة، ونتمنى الخير للعالم من هذه الساحة في حلب، متأملين أن تعود سورية الأجمل، وأؤكد أن الحلبي حيّ لا يموت لأنه من اللا شيء يبدع كل شيء من أجل الحياة والفرح والسعادة والفن، وهذا يمنحنا الأمل لنعيش ونحيا بطريقة أجمل وأكثر حياة.
ساحة الحطب مغارة النور
ولقد استضافت هذه الساحة العديد من الأنشطة مثل المعرض التشكيلي “كان يا ما كان.. حلب”، والأمسيات الفنية الموسيقية المستمرة منذ 19 من الشهر الماضي مع القرية الميلادية بين كورال وموسيقا وزيارة الطلاب وفرق الكشافة، لتتعلق الآمال والأحلام والضحكات على أغصان شجرتها الجميلة، ويبزغ النور من مغارتها الرمزية الفنية، وتلمع وحدتها الوطنية، وتلتحم الكلمة الطيبة لتكون بوصلة الضوء بين رجال الدين والطوائف والروح الفسيفسائية، ويرتدي الأطفال والشباب والكبار ثياب ماما نويل وبابا نويل، ويتصورون بسعادة في هذه القرية مع بابا نويل الساحة وهو يقرع الأجراس، والذي عرفنا عن نفسه: كريكور ميرجانيان، عمّرنا الساحة بالفرح الذي يجمعنا أرمناً ومسيحية وإسلاماً رغم أن دواخلي حزينة على الآثار المدمرة والأهالي الذين نزحوا وهاجروا، وسعيد لسعادة أهل حلب بهذه الأعياد والأفراح والمحبة التي تزين هذه الأرض كما تزين هذه القلوب الحمراء شجرة الميلاد، وأسأل العالم: هل من بلد غير سورية، ومدينة غير حلب تستمر فيها فرحة الميلاد ورأس السنة حوالي 20 يوماً نهاراً وليلاً؟
وتعرض الأكواخ منتجاتها من الحرف اليدوية والتراثية، وتنضم إليها مركبات وعربات المشروبات المتنوعة والأطعمة المختلفة مثل خبز التنور وفطائره اللذيذة، والبطاطا المشوية والذرة الصفراء المشوية والمسلوقة والتي أخبرنا عنها الشاب علي حسن: نتشارك من خلال موروثنا الغذائي فرحات بلدنا لأننا “إيد بإيد نعمّر البلد من جديد”.
وأكدت هوري سلاّحيان رئيسة جمعية كيليكيا الثقافية على مشاركة الجمعية بالفنون والأشغال اليدوية مثل زينة الميلاد وملابس مناسبة للشتاء وإكسسوارات ونباتات زينة وحفر على الخشب وإيتامين بأشكال فنية مطرزة على الحقائب والأزياء.
وعن سعادتها قالت: فرحة جميلة كبيرة رغم معاناتنا، فأنا من الذين احترق بيتهم، ونزحت 5 سنوات، لكنّ الأزمة جعلتني أقوى، فصرت أذهب للمطرانية وأشارك في جميع المعارض والدورات تحت القصف، وأدرس في التعليم الجامعي المفتوح، وأشعر الآن بفرحة يكملها اهتمام الكثير من الجهات التي زارت وتزور القرية العالمية مثل محافظ حلب، أمين الفرع، وبشر اليازجي مستشار الرئاسة، والمطارنة والشيوخ والقساوسة إضافة إلى الزوار من أهالي حلب والمحافظات.
وتابعت سلاّحيان: لدي مشروعي الخاص أيضاً في هذا المجال، وأمارسه منذ 15 سنة، ولاسيما في الإكسسوارات التراثية المتشكّلة من الخرز واللؤلؤ والأحجار الكريمة، وأشارك في حلب ودمشق التي كنت في معرضها الدولي عام 2017، وخارج سورية مثل أرمينيا وغيرها.
بالمحبة نتحدّى وننتصر
ستظل هذه الساحة تتحدى الإرهاب بحضورها الحياتي المستمر بمحبة في الترميم وإعادة البناء المبتهج بميلاد جديد وسنة جديدة، متباهية بذاكرتها المتجذرة في القرن الرابع عشر الميلادي، وإنها لَمُصرّة على استعادة حيويتها لتعود كما كانت مركزاً تجارياً وثقافياً واقتصادياً لحي الجديدة وتشعباته المتفرعة إلى العديد من الأزقة والجادات والأحياء والشوارع والساحات الأخرى، والحاضن للعديد من الجوامع والكنائس والدُور الأثرية التي تحوّل بعضها إلى فنادق ومطاعم وكافيتيريات بنكهة تراثية أصيلة، مثل دار زمريا والياسمين والمشربية، إضافة لما يحيط بهذا الحي وساحته من خانات وحمّامات ودُور عريقة صار بعضها متاحف تقليدية مثل بيت غزالة، وبيت أجقباش الكائن في عوجة الكيالي.