عام 2023 …. التحضير للتحولات الكبيرة في الاقتصاد العالمي
البعث الأسبوعية- عناية ناصر
حدثت تحولات هيكلية هائلة في الاقتصاد العالمي، كما اتضح من خلال التحديات الضخمة خلال عام 2022 المنصرم، لكن في عام 2023 ستسعى الصين إلى التعافي، أما الغرب، والولايات المتحدة، ومنطقة اليورو، والمملكة المتحدة، واليابان سوف يواجهون الركود وشبح أزمة الديون.
وفي هذا السياق حذر مقال لمجلة “فورين أفيرز” من أن العالم لا يواجه فقط تحديات غير عادية لتقلبات وتغيرات الدورة التجارية و الاقتصادية ، بل أيضاَ ضغوطاً هيكلية طويلة المدى. ونتيجة لذلك، قد لا يكون الاقتصاد العالمي هو نفسه أبداً. في الواقع، كان الوضع الطبيعي القديم تاريخاً منذ عام 2008 وما تبعه من أزمات الديون، فخلال العقد الماضي كان الاقتصاد العالمي مدفوعاً بالأجندات الجيوسياسية ، وليس بالأولويات الاقتصادية، وكانت النتائج الكارثية متوقعة.
واليوم يلقي خطر الركود بظلاله القاتمة على الاقتصاد الأمريكي، كما تواجه منطقة اليورو ركوداً عميقاً، والاقتصاد الياباني يتقلص، والمملكة المتحدة تكافح مع أسوأ انخفاض في مستويات المعيشة .
عام2022 صعب في الغرب وعام 2023 أكثر قتامة
في أوائل عام 2022، تعهدت الولايات المتحدة ومنطقة اليورو والمملكة المتحدة واليابان بالولاء الجيوسياسي، وتجاهلت الحقائق الاقتصادية مع الترويج لأسوأ امتداد عسكري منذ عقود. وبسبب الحرب التي قادتها الولايات المتحدة والناتو بالوكالة ضد روسيا في أوكرانيا، كانت تكاليف السياسات الاقتصادية والجغرافيا السياسية المضللة متوقعة بالفعل. وحتى وقت قريب، بدت الاقتصادات الغربية مرنة إلى حد ما، ففي عام 2022 كان من المتوقع، ومن المرجح أن يظل نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي على أساس سنوي عند 1.3٪ إلى 1.8٪ ، وإن كان أقل بكثير من توقعات عام 2021. وفي منطقة اليورو ، من المرجح أن يكون الرقم المقارن أعلى، أي حوالي 3.1٪ إلى 3.3٪ ، و أكثر من 4.0٪في المملكة المتحدة. بينما في اليابان، من المحتمل أن يكون 1.5٪ فقط. ومع ذلك، فإن المرونة أمر بعيد المنال لأنها تقوم على الديون المتصاعدة.
لا يزال الدين الحكومي في منطقة اليورو، بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي قريباً من 100٪. ومن المفارقات أن هذا الرقم أعلى بـ 40 نقطة مئوية من حد الدين الخاص بالمنطقة، ففي المملكة المتحدة، تضاعف الرقم منذ عام 2008 إلى ما يقرب من 100٪، وكان الرقم في اليابان هو الأسوأ بين جميع الاقتصادات ذات الدخل المرتفع، ما يقرب من 265 ٪ ، بفضل أكثر من عقدين من الركود طويل الأمد.
أما في الولايات المتحدة ، فقد تضاعفت نسبة الدين وتتجه تدريجياً نحو 140٪، وهي أعلى بأكثر من 20 نقطة مئوية من مثيله في إيطاليا وسط دوامة ديون روما لعام 2010، لكن عندما تحدث أزمة ديون الولايات المتحدة، فستظهر تداعياتها السلبية من الاقتصاد العالمي إلى أسواق الصرف الأجنبي العالمية. ومع ذلك، من المؤسف أن هذه ما زالت الأوقات الجيدة، وسيكون عام 2023 الأكثر خطورة، إذ سيكون النمو في الولايات المتحدة راكداً في أحسن الأحوال عند 0.1٪ إلى -0.2٪ ، وسيكون الركود شديداً في منطقة اليورو عند -0.5٪ ، وسيكون في المملكة المتحدة ، الأسوأ عند -1.0٪. وبسبب الركود في ألمانيا والركود في فرنسا ، سيكون كلا المحركين الأوروبيين متماثلين. أما في اليابان، من المرجح أن يظل النمو الراكد عند حوالي 1.0٪، وسيتطلب رقم النمو في كل حالة، المزيد من الديون. وبالتالي، فإن مخاطر الاتجاه الهبوطي تفوق بكثير مخاطر الاتجاه الصعودي.
الصين: من الرياح المعاكسة إلى الانتعاش
تتجه الصين في هذا المشهد الدولي نحو التعافي في عام 2023، الأمر الذي قد يخفف من الآفاق الاقتصادية العالمية، فحتى الخريف، كانت البيانات الاقتصادية الصينية تعكس التحديات بشكل أساسي. ومع ذلك، من المرجح أن يكون عام 2023 عام الانتعاش الوشيك للاقتصاد الصيني إذا أمكن التغلب على أمراض كوفيد الحالية.
تتوقف المحددات المركزية في إطلاق العنان لإمكانات الاستهلاك الصيني، واستثمار القطاع الخاص وثقة المستثمرين على نجاح سياسة كوفيد الأكثر مرونة، وما يترتب عليها من انتعاش واسع النطاق.
من شأن مثل هذا التقدم أن يعزز البيانات الاقتصادية، ففي أسواق العقارات، ستساهم تدابير الدعم الجديدة، ولا سيما خطة التعافي الحكومية المكونة من 16 نقطة، في تحقيق الاستقرار، وسوف ينتعش الإنتاج الصناعي على الرغم من تدمير الطلب في الغرب، حيث يصبح المستهلك غير راغب أو غير قادر على شراء السلعة أو الخدمة، إلا أن” مبادرة الحزام والطريق ” التي تقودها الصين ستعزز التقدم المطرد على خلفية الانتعاش في جنوب شرق آسيا، كما أن من شأن تقليل الاستثمار في الأصول الثابتة من قبل القطاع العام أن يقلل من ضغوط ديون الحكومات المحلية.
سيعود المستثمرون الصينيون إلى أسواق الأسهم، والتي ستكون أيضاً جذابة للمستثمرين الأجانب الذين يسعون إلى صفقات قصيرة الأجل وتنويع طويل الأجل، حيث ينذر مؤشر “مورغان ستانلي كابيتال إنترناشيونال” الصيني بالتحول، فقد ارتفع بنسبة 24٪ في تشرين الثاني الماضي مقارنة بـ 2٪ فقط لمؤشر “ستاندرد آن بورز”.
من المؤكد أن التحديات المحلية ستظل صعبة، ومع ذلك فإن تقليص القوى العاملة المرتبط بالشيخوخة سيكون أقل من المتوقع، كما تشير توقعات الأمم المتحدة الجديدة. علاوة على ذلك، من المحتمل أن تكون حصة الاستثمار في الناتج المحلي الإجمالي قد بلغت ذروتها عند 42 في المائة في نصف العقد الماضي ، مع حدوث انخفاض تدريجي في أعقاب ذلك. وبفضل الإصلاحات المستمرة وسياسات “الرخاء المشترك”، ارتفع معدل اللحاق الصيني بالإنتاجية ودخل الفرد إلى أكثر من ثلث مستوى الولايات المتحدة، وبفضل الانتعاش المتوقع يمكن أن يرتفع نمو الصين إلى حوالي 4.0 إلى 4.5 في المائة في عام 2023.
هدوء ما قبل العاصفة
هناك قاسم مشترك واحد يجمع التوقعات الاقتصادية للولايات المتحدة ومنطقة اليورو والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى اليابان والصين، وهو الحاجة الملحة لأن يظل المشهد العالمي قابلاً للإدارة، كما يتضح من تخفيف التوترات الصينية الأمريكية بعد الاجتماع الأخير بين الرئيس جو بايدن والرئيس شي جين بينغ. ومع ذلك، فإن السؤال هو ما إذا كان الهدوء النسبي الحالي ينذر بذوبان الجليد الثنائي الناشئ أم أنه يعكس هدوء بعيد المنال قبل عاصفة وشيكة.
لم يعد بإمكان البيت الأبيض التحكم في ذلك المستقبل، فعلى الرغم من أن انتخابات التجديد النصفي الأمريكية لم تكن كارثية للإدارة كما كان متوقعاً في البداية ، إلا أن الجمهوريين تقدموا على جميع الجبهات السياسية، ومجلس الشيوخ منقسم الآن بشكل واضح ويخضع مجلس النواب لسيطرة الجمهوريين.
كان سجل الغرب بعد عام 2008 عبارة عن سلسلة تراكمية من الكوارث الاقتصادية المتفاقمة باستمرار، و تبدأ القائمة -مع فشل التعاون بعد الأزمة، وتصاعدت مع الانتعاش العالمي المفقود في عام 2017 تلاها الفصل العنصري في التلقيح، وتهديد فيروس كورونا للنهج التعددي وما تبعه من كساد عالمي – وصولاً إلى الحروب بالوكالة الحالية والحروب الباردة التي يمكن أن تطلق العنان لكارثة ديون عالمية .
خلال السنوات الماضية، كلفت هذه السياسات غير الحكيمة أعمق تباطؤ نسبي للنمو في الغرب، وإلى تباطأ آفاق النمو العالمي بدلاً من تعزيزها ،كما أعاقت صعود الاقتصادات الناشئة والنامية بدلاً من دعمها. وفي الوقت نفسه، أدى غياب التعاون الدولي متعدد الأطراف إلى تقويض توقعات النمو الأولية بشكل منهجي (ومن غير المرجح أن تثبت السنوات 2023-2027 أن تكون استثناء).
بالتأكيد، لا يوجد شيء حتمي في مثل هذه الآفاق العالمية الكارثية، فهذه الكوارث التراكمية لم يكن لها ما يبررها، إذ كان من الممكن من خلال التعاون متعدد الأطراف المعقول والمنطقي تقليل معظم الأضرار الجانبية – تريليونات الدولارات من التكاليف الاقتصادية ، وخسارة الملايين من الأرواح البشرية – بشكل كبير، بل وحتى تجنبها، ولكن بدون إعادة ضبط عالمية شاملة فإن السيناريوهات الأكثر قتامة أصبحت الآن مسألة وقت.