مجلة البعث الأسبوعية

ماذا يريد السوريون بالعام الجديد؟ أفعال على قدر الأقوال وحلولاً إستراتيجية لا ترقيعية؟

البعث الأسبوعية – غسان فطوم:

يتفق غالبية السوريين أن العام 2022 كان عاماً ثقيلاً بما حمله من معاناة على كافة الصعد، ففيه عانوا من البرد والعتم وارتفاع الأسعار وزحمة المواصلات، ومنغصات أخرى جعلت حياتهم صعبة لم تعد تحتمل أو تطاق، فكيف لراتب لا يتجاوز الـ 150 ألف ليرة، بل وأقل أن يفي باحتياجات أسرة قد يصل عددها لخمسة أشخاص وأكثر؟!.

إنه جنون الأسعار الذي لا يصدق، فمن كان يتوقع أن يصل سعر الكيلو غرام من المتة لـ 100 ألف ليرة نتيجة احتكار المادة ورفع سعرها، وصحن البيض بحدود الـ 20 ألف ليرة، وليتر الزيت النباتي وصل لحدود الـ 20 ألف ليرة، وقس على ذلك من أسعار ترتفع بين الساعة والساعة وسط غياب، بل انعدام الحلول في تأمين أدنى متطلبات الحياة!

مشهد يتكرر كل يوم أدى لانهيارات اقتصادية واجتماعية أصابت الناس بأزمات نفسية وأمراض جسدية نتيجة سوء التغذية بسبب الغلاء الفاحش.

وعود خلبية!

في جردة حساب لعام كامل مضى كانت آمال المواطنين تتراقص على إيقاعات وعود تصور لهم الواقع جميلاً والمستقبل أجمل، وفي مشهد حفظه السوريون عن ظهر قلب راح المعنيون يتسابقون في إطلاق رسائل الفرج في كل مناسبة، لكن دائماً كان “كلام الليل يمحوه النهار”، حيث يصحو المواطن على ارتفاع جديد ومخيف للأسعار رغم أن المسؤول كان ينفي عدم رفع الأسعار، الأمر الذي جعل المواطن يسأل مستغرباً: هل بات التجار هم من يتحكمون بشؤون الأسواق والعباد والحكومة تتفرج؟!.

للأسف واقع الأسواق يؤكد ذلك رغم ما نسمعه من كلام قادم من صوب وزارة “حماية المستهلك” التي لم تعد مبرراتها مقنعة للمواطن “البردان والجوعان”، وخاصة في حديثها عن المواد المدعوة!.

عيد حزين!

في سهرة رأس السنة كان واضحاً أن الناس “طفرانة”، فمظاهر الفرح كانت قليلة أو شبه معدومة قياساً بالأعوام السابقة، فكل مستلزمات السهرة التي اعتادوا عليها طالها الغلاء بدءاً من مكونات صناعة الحلوى المنزلية مروراً بالفواكه والخضار وصولاً إلى جنون أسعار اللحوم!.

“حتى الجوانح استكتروها علينا” حسب قول أبو محمود، مشيراً إلى أن سعر الكيلو وصل لـ 15 ألف ليرة، فيما وصل سعر “الوردة” لـ 18 ألف ليرة، و”الكستا” 17 ألف ليرة، والشرحات 23000 ليرة، أما عن أسعار لحم الغنم أو العجل فحدث ولا حرج!، وبذلك لم يعد المواطن قادراً على الفرح بالأعياد لأنه استغنى عن ذلك،  ليستطيع اولاً تأمين لقمة عيش أطفاله!.

وبحسب خبير اقتصادي أن سهرة رأس السنة “من قريبو” لأسرة مؤلفة من 4 أشخاص وفق الأسعار الرائجة قد تصل لحدود الـ 300 ألف ليرة (فروج  + حلويات + فواكه + خضروات+ مستلزمات أخرى ..)، متسائلاً: كيف لموظف من ذوي الدخل المحدود أن يوفر أو يؤمن هذا المبلغ؟.

خلونا نحلم!

رغم كل منغصات ومشكلات ومعاناة العام الماضي يبقى المواطن متشبثاً بالأمل بعام أفضل، لكن بشرط أن تتوفر مقوماته، وأهمها: الهمّة القوية للحكومة، بمعنى أن تكون الأفعال على قدر الأقوال، فالمواطن يريد حلولاً إستراتيجية لا ترقيعية، يريد الشفافية والوضوح عند الحديث عن أزمات البلد بعيداً عن تجميل الواقع الذي بات معروفاً ولا يمكن تجميله بتصريحات أو وعود غريبة أو منفصلة عن الواقع!.

المواطن المتخم بخيبات الأمل يتمنى، بل يريد أن يشعر بالدفء ويصل إلى دوامه اليومي في الوقت المناسب، فعقله من الصعب أن يصدق أن هناك أزمة محروقات ووقود وهو يرى المازوت والبنزين يباعان على قارعة الطريق أمام الجميع!.

المواطن يريد المحاسبة والمساءلة لكل من يتاجر بلقمة عيشه والوقود المخصص للتدفئة الأفران والمصانع، عبر فضحهم وتعريتهم من خلال الإعلام الوطني.

المواطن يريد أن تستقر الأسعار وتزداد الرواتب بنسبة كبيرة لتكون قادرة على مقاومة صدمات الأسعار الخيالية، بمعنى تخفيف التبعات الاقتصادية الناجمة عن الخرب الأوكرانية، عدا عن العقوبات المفروضة على سورية.

خبراء الاقتصاد

وإذا كانت الأمنيات السابقة تعبر عن جزء قليل من أمنيات المواطنين العاديين، فما هي مطالب خبراء الاقتصاد ؟

القاسم المشترك كان “إيجاد هوية محددة للاقتصاد السوري توافق حالته الراهنة وفق الإمكانات المتاحة”، فيما طالب آخرون بالتروي في اتخاذ القرارات من قبل الفريق الاقتصادي بعد تحديد الأولويات والمفاضلة بينها، فلا يعقل أن “تشلف أو تسلق ” وكأننا في حالة سباق، مشيرين إلى قرارات كان لها مفعولاً سلبياً مضراً، وطالب الاقتصاديون بإجراءات سريعة لاحتواء وضبط سعر الصرف، ومنهم من سأل عن الحكمة من إعفاء  بعض المستوردات  من الرسوم   والتنازل عن إيرادات الخزينة العامة ولصالح من؟!.

ويبقى السؤال: هل يكون العام الجديد على قدر الآمال والتمنيات، وهل نودع الأزمات المزمنة من خلال إيجاد حلول لها بدءاً من ارتفاع الأسعار مروراً بتحقيق العدالة بتقنين الكهرباء وتوزيع مخصصات مازوت التدفئة وتأمين الخبز بمواصفات جيدة، وصولاً إلى تحسين مستوى معيشة ودخل المواطنين، وكل ما من شأنه المساهمة في تعزيز الاقتصاد الوطني ليكون قادراً على الصمود بوجه التحديات؟.

 

.