سردية غربية تقودها النوايا الخبيثة
عناية ناصر
عندما طبّقت الصين استراتيجية “صفر كوفيد”، كانت بعض وسائل الإعلام الغربية تدعوها لإعادة الانفتاح، ولكن عندما خفّفت الصين مؤخراً، من إجراءاتها الخاصة بـ كوفيد-19، لم يكن من المستغرب أن تقوم تلك الوسائل بتشويه تعديل الصين لسياسة الوقاية من الوباء، والسيطرة عليه!.
وفي هذا الإطار، نشرت وكالة “أسوشيتد برس” مقالاً بعنوان “زيادة انتشار فيروس كورونا في الصين تثير احتمالات الإصابة بفيروس كورونا الجديد”. كما ذكر تقرير لصحيفة “التلغراف” في اليوم نفسه أن فيروس كورونا الصيني هو “كارثة تعرّض الاقتصاد العالمي للخطر”. وعزا مقال رأي لهيئة تحرير صحيفة “واشنطن بوست” بشكل وقح ارتفاع حالات الإصابة وإحجام الصين عن اللقاحات، مدعياً أن الصين تجنّبت بشكل غير حكيم لقاحات تقنية الحمض النووي.
بالنسبة للدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، لم يكن الأمر مرتبطاً حقاً بالوباء، أو كيفية استجابة الصين، فبعد اعتبار الصين المنافس الرئيسي لها، لم تبدّد بعض وسائل الإعلام الغربية، ولاسيما تلك الموجودة في الولايات المتحدة، أي محاولة لتشويه سمعة الصين بشأن أي موضوع يمكن أن ينتقد الصين، لدرجة أصبح وباء كوفيد-19 أيضاً أحد أدواتهم المعادية للصين، وتمّ استخدامه كسلاح بالكامل حتى منذ المرحلة الأولى من تفشي المرض.
سعى العديد من المسؤولين الغربيين، ووسائل الإعلام التابعة لهم، في كل منعطف من الوباء، إلى محاولات تسجيل نقاط سياسية من خلال كيل وتوجيه الاتهامات لبكين، فمهما فعلت الصين، سيكون هناك دائماً سيل من الهجمات التي تسعى لاستغلال الوباء لتشويه سمعة الحكومة الصينية.
في الحقيقة، من خلال التكلم بسوء عن تعديل سياسة الصين، تعتزم وسائل الإعلام الغربية بثّ بذور الخلاف بين الجمهور الصيني وحكومته من خلال التحريض على استياء الجمهور تجاه النهج الحالي للوباء، فهم يفضّلون أن يؤدي ذلك إلى ثورة ملونة، وهي خدعة قديمة يجيدون لعبها، كما أنهم يريدون، إضافة إلى ذلك، تشويه صورة الصين الدولية وتأثيرها العالمي من أجل عزلها في المجتمع الدولي.
أشاد الخبراء بنجاح الصين في مكافحة الوباء على مدى السنوات الثلاث الماضية، ولذلك تشعر الولايات المتحدة والغرب بغيرة شديدة من هذا الأمر، وتخشى أن تتفوق مكانة الصين الدولية على مكانتها، فهي تأمل من خلال القيام بذلك، وفقاً لـ لو شيانغ، الخبير في الدراسات الأمريكية والباحث في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، طمأنة جمهورها المحلي، فخلال المرحلة التي احتدمت فيها السلالات الأصلية ودلتا، شهد المجتمع الغربي عدداً هائلاً من الموتى بسبب تدابير الوقاية والسيطرة غير الكفؤة، ما أثار امتعاض الناس، مضيفاً أن انتقاد وسائل الإعلام الغربية لسياسة الصين الأخيرة يندرج في نطاق الاعتبارات المحلية.
ووفقاً لـ تشانغ ييوو، الأستاذ في جامعة بكين، منذ انتشار المرض، كان الغرب قلقاً من أن الصين ستحقق انتقالاً سلساً دون خسارة فادحة بفضل نهجها المختلف والأكثر فاعلية في التعامل مع الوباء، الأمر الذي سيؤدي بلا شك إلى الإضرار بصورة الغرب محلياً وخارجياً.
إن تعديل وتكييف سياسة الصين يعتمد على التقييم العلمي والعقلاني، فعندما انتشر متحور “أوميكرون” بسرعة أكبر بكثير مقارنة بمتغيرات كوفيد-19 الأخرى، حاولت الحكومة الصينية أيضاً كبحه وبذلت قصارى جهدها لمساعدة الصينيين في جميع أنحاء البلاد على تجنّب الفترة التي شهدت أعلى معدلات الوفيات والإصابة. ومع ذلك، فإن ما فعله الغرب خلال تلك الفترة كان عبارة عن فوضى، ففي الولايات المتحدة، بين 3 كانون الثاني 2020 و26 أيلول 2021، كان هناك 895693 حالة وفاة مرتبطة بـ كوفيد-19، واستناداً إلى ذلك: ما هي المؤهلات التي تمتلكها وسائل الإعلام لانتقاد تعديل سياسة الصين؟.
إن نوايا وسائل الإعلام الغربية هذه مجرد تمنيات، فالمجتمع الصيني في الواقع مرنٌ للغاية، وليس من السهل العمل على التشويش على الصين والإساءة لها، وذلك لأن ثقة الشعب الصيني في حكومته أعلى بكثير مما تصفه وسائل الإعلام هذه. كما أعرب غالبية مستخدمي الإنترنت الصينيين وسط تصاعد الإصابات الأخيرة عن امتنانهم للحكومة لحمايتهم على مدى السنوات الثلاث الماضية، فالمجتمع الصيني يدرك أن الوقاية الصارمة السابقة من الوباء، والسيطرة عليه والتعديل اللاحق يتمّ إجراؤه بناءً على حالة الصين الفعلية، بدلاً من إجبارها على القيام بذلك.
ستتحوّل الصعوبات الحالية التي تواجهها الصين إلى أن تكون مؤقتة، حيث بدأت بالفعل بعض الأنشطة الاقتصادية للبلاد في الاستئناف، ومن المتوقع أن يشهد الاقتصاد الصيني ربيعاً قريباً.
إن نظام السرد الغربي عن الصين منافق للغاية وتقوده الشماتة والنوايا الخبيثة، لكن لا يفيد هذا النوع من السرد في المساعدة على معالجة المشكلات الداخلية للمجتمعات الغربية، بل يجعلها بخلاف ذلك تشعر بتحسّن بشأن عدم كفاءتها مؤقتاً.