وهم الغرب بعزل روسيا
هيفاء علي
كانت الخطة الغربية تهدف إلى جذب روسيا إلى أوكرانيا، ثم الإجهاز عليها بفرض العقوبات عن عمد لتعظيم التأثير طويل المدى على روسيا، وتقليل التأثير على الولايات المتحدة وحلفائها. وقد جاء ذلك على لسان العجوز بايدن نفسه، عندما اعترف أن الولايات المتحدة لم تفعل ذلك بمفردها، بل قامت ببناء تحالف من الشركاء يمثلون أكثر من نصف الاقتصاد العالمي: سبعة وعشرون عضواً في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك فرنسا وألمانيا وإيطاليا، وكذلك المملكة المتحدة وكندا واليابان وأستراليا ونيوزيلندا، والعديد من الدول الأخرى، لتضخيم التأثير المشترك على الاقتصاد الروسي.
كانت الافتراضات الكامنة وراء هذه العقوبات خاطئة تماماً، فلم يعد اقتصاد روسيا منخفض المستوى، وصحيح أن ناتجها المحلي الإجمالي بالدولار أقلّ بكثير من مثيله في معظم الدول الأوروبية، إلا أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي المقاس بالقوة الشرائية للروبل مرتفع للغاية، إذ يتضمن الناتج المحلي الإجمالي لروسيا أيضاً نسبة مئوية أعلى بكثير من الناتج الحقيقي، ونسبة أقل من “الخدمات” المشكوك فيها، حيث يمثل قطاع الرعاية الصحية 5.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي، أما في الولايات المتحدة فيبلغ 16.7٪، دون تحقيق نتيجة أفضل بكثير.
وبالنظر إلى الإنتاج الروسي للصلب والخرسانة والكهرباء للفرد، فبوسع أيّ كان رؤية أن روسيا متطورة مثل الدول الأوروبية الكبيرة ذات الدخل المتوسط. وعليه، لم تفشل العقوبات فحسب، بل جاءت بنتائج عكسية، ويكفي النظر إلى أزمة الطاقة في أوروبا. وبسبب العقوبات التي فرضت عام 2014، عندما عادت روسيا إلى شبه جزيرة القرم، عرفت ما هو قادم، وكانت مستعدة لذلك. وفي غضون أسابيع، ارتفع الروبل إلى درجة عالية حتى أن البنك المركزي تدخّل لخفضه، وسرعان ما تمّ الاستيلاء على الشركات “الغربية” في روسيا، أو استبدالها بشركات روسية، في حين نمت التجارة مع الصين وغيرها من الدول غير الغربية بشكل كبير. بالمقابل، ستشهد بعض الدول الأوروبية التي تقف وراء العقوبات انخفاضاً أكثر حدة.
الآن يتوقع خبراء “بي بي سي” كيف سينتهي الصراع في عام 2023، حيث تشير تحليلاتهم إلى أن الأوضاع الفعلية سيئة للغاية، لدرجة أن المرء يتساءل عن المعلومات الخاطئة التي يعتمدون عليها عندما يقولون إن أوكرانيا ستفوز بالحرب في موعد أقصاه ربيع عام 2023. وقد عنونت “واشنطن بوست” أحد مقالاتها بـ”بوتين، الذي لم يعتاد على الخسارة، يزداد عزلة مع تضاؤل الحرب”، زاعمة أن هناك شرخاً جديداً آخذاً في الازدياد بين الرئيس وكثير من النخبة في البلاد. والافتراض الأساسي الذي لا أساس له في المقال هو أن روسيا تفشل في حربها، علماً أن استنتاجاته تستند إلى ما يُسمّى “خبيراً”، ومصادر لم يذكر اسمها في روسيا، كما تتناقض معلومات المقال مع حقيقة الحرب ونتائج الاستطلاعات الجارية في روسيا، والتي تظهر دعماً قوياً لـ بوتين والحكومة. كما يتجاهل المقال حقيقة أن لروسيا علاقات جيدة مع معظم بلدان العالم، ولديها أيضاً حلفاء أقوياء. فقد تعهد الرئيس بوتين والزعيم الصيني شي جين بينغ مؤخراً بتعميق التعاون الثنائي، وأشار بوتين، خلال مكالمة له مع شي، إلى أن التعاون العسكري له “مكانة خاصة” في العلاقات بين البلدين، مضيفاً أن الكرملين يهدف إلى تعزيز التعاون بين القوات المسلحة لروسيا والصين. بدوره قال الرئيس الصيني إنه في مواجهة وضع دولي صعب وبعيد عن البساطة، فإن بكين مستعدة لزيادة التعاون الاستراتيجي مع روسيا لتزويد كلّ منهما بفرص للتنمية، ليكونا شركاء عالميين لمصلحة شعوب دولنا ومصلحة استقرار العالم.
حقيقة، تعزّزت العلاقات بين موسكو وبكين منذ أن أرسل بوتين قواته إلى أوكرانيا في 24 شباط، حيث أجرت موسكو وبكين مناورات بحرية مشتركة في بحر الصين الشرقي. كما أن الصين، التي وعدت بصداقة “غير محدودة” مع روسيا، رفضت رفضاً قاطعاً انتقاد العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، واتهمت الولايات المتحدة، وحلف شمال الأطلسي باستفزاز الكرملين، وانتقدت العقوبات الكيدية المفروضة على روسيا. بالمقابل، كانت روسيا تدعم الصين بقوة وسط التوترات مع الولايات المتحدة بشأن تايوان، وبالتالي يبدو أن عبارة “العزلة المتزايدة” لها معنى مختلف لمحرّر “واشنطن بوست” عن بقية العالم.
وإلى جانب الوهم، وعدم وجود تحليل جيد للقضايا العسكرية والسياسية، يأتي وهم حول المستقبل الاقتصادي للغرب، وهذه بعض الحقيقة، إذ بات العالم يتحوّل نحو نظام متعدّد الأقطاب، لكن السوق لم يدرك بعد أنه في النظام العالمي الناشئ متعدّد الأقطاب، ستكون أساسيات العملة أصغر، وستكون قواعد السلع أكبر، وأن المعدلات في الغرب ستكون أعلى!.