صراع السلطة في أمريكا
عناية ناصر
في الوقت الذي يخطط فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن بالفعل لحملته الرئاسية لعام 2024، ومع انتخاب عضو الكونغرس الجمهوري كيفن مكارثي في النهاية رئيساً لمجلس النواب، بعد 15 جولة تصويت محرجة، قال محللون صينيون إن الفوضى في واشنطن ستستمر في التدهور، كما أن صراع القوى بين وداخل الحزبين سيجعل الحكم الداخلي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة أكثر تطرفاً وإشكالية.
ووفقاً لتقارير وسائل الإعلام الأمريكية، من بينها “واشنطن بوست”، و”ذا هيل”، تستعد حملة إعادة انتخاب بايدن للانطلاق، حيث يعد بايدن وكبار مساعديه تفاصيل حملته لعام 2024. وفي هذا السياق قالت مصادر متعددة لصحيفة “ذا هيل” إن الرئيس يخطط لإعلان نيته في الترشح لولاية ثانية في البيت الأبيض خلال الأسابيع المقبلة، على الأرجح في شهر شباط القادم، حول حالة الاتحاد التي سيقدمها إلى الكونغرس.
جرت العادة أن يعلن رؤساء الولايات المتحدة الذين يترشحون لإعادة انتخابهم عن خططهم بعد بضعة أشهر من الانتخابات النصفية، إلا أن بايدن التزم الصمت بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في تشرين الثاني 2022، أنه سيترشح لانتخابات عام 2024. وقال مراقبون إن بايدن سيحتاج إلى مزيد من الوقت للتحدث مع حلفائه وفريقه، لأن الوضع السياسي الحالي في واشنطن معقد للغاية، فبعد أن أصبح مكارثي رئيساً لمجلس النواب، سيشن الجمهوريون بالتأكيد سلسلة من الهجمات ضد الرئيس وأفراد أسرته.
وإذا أعلن بايدن عن خطته للترشح، فسيحصل على ترشيح الحزب الديمقراطي، مع الأخذ في الاعتبار أنه لم تكن لديه أية إنجازات مقنعة في العامين الماضيين من ولايته الأولى، حيث قال خبراء إن السياسيين مع طموحاتهم لعام 2024 سيعتبرون بايدن هدفاً سهلاً للتحدي، وسيصبح الصراع السياسي للولايات المتحدة أكثر كثافة وفوضى.
في هذا الشأن، أثبت الانتصار المحرج لمكارثي في مجلس النواب أن الصراع على السلطة في واشنطن ليس فقط بين الديمقراطيين والجمهوريين، بل بين السياسيين من نفس الحزب، خاصةً أن السياسيين الأمريكيين ذوي المواقف السياسية المتطرفة أصبحوا مستعدين بشكل متزايد لاختطاف مصالح الحزب بأكمله، وهم قادرون على إجبار الأغلبية أو النخب المؤيدة للمؤسسة على التنازل عن أي قضية.
إن الصراع على السلطة يثبت أنه لا يوجد زعيم سياسي قوي وموثوق، فلا بايدن ولا ترامب ولا رئيس مجلس النواب الجديد مكارثي قادرين على توحيد حزبهما بالكامل، وبناء على ذلك يعتقد الخبراء أن الحوكمة الداخلية للولايات المتحدة ستظل فوضوية في المستقبل، وستفشل في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية بشكل فعال، وقد تنحرف سياستها الخارجية عن مسارها إلى مناطق أكثر فوضوية وخطورة.
ووفقاً لخبراء في الدراسات والأبحاث الأمريكية، إن الاختلاف الخطير ليس فقط بين الحزبين، ولكن أيضاً ضمن كل حزب، فعلى الرغم من أن الجمهوريين هم أقلية في الحزب، إلا أنهم أثبتوا أنهم قادرون على خطف الأغلبية، وهذه ليست مشكلة لمكارثي أو بعض السياسيين بعينهم، بل مشكلة منهجية في قلب الديمقراطية الأمريكية .
على الرغم من أن الديمقراطيين يضحكون على الجمهوريين بسبب هذا الإحراج التاريخي، لكن لو فاز الديمقراطيون بمجلس النواب العام الماضي وتعرضوا لنفس الموقف الذي يواجهه الجمهوريون الآن، فمن المرجح أن يكون الديمقراطيون مفككين تماماً كحال الجمهوريين الآن، وسيبذل الديموقراطيون قصارى جهدهم لإجبار المؤيدين على تلبية مطالبهم أيضاً.
ويرى بعض المحللين أن هذه المشكلة ستصبح جزءاً من دورة الانتخابات الرئاسية لعام 2024، ونتيجة لذلك سيتم تشجيع المزيد من السياسيين الأمريكيين الذين لديهم طموحات للترشح لأنهم يجدون أنه لا يوجد زعيم مطلق يمكنه توحيد كتلته بالكامل، كما ستواجه التشريعات والقضايا المتعلقة بالميزانيات في مجلس النواب معركة شاقة وأكثر حدة، وليس هناك أمل في أن تتمكن واشنطن من حل أي مشاكل بشكل فعال.
إن الاستقطاب داخل السياسة الأمريكية يجعل مقارنة القوة بين الحزبين في الكونغرس شديدة للغاية مع وجود هامش ضئيل من قبل الجمهوريين للخطأ، وسيسمح ذلك للراديكاليين، الذين ليسوا في الأغلبية، بأن يصبحوا “أقلية حرجة” تتمتع بقدرة تؤثر على الكل، الأمر الذي سيتسبب بـ”تجزئة” داخل الحزبين، وستستمر الشخصيات السياسية المتطرفة في زيادة تطرفها، حيث من المؤكد أن الجمهوريين سيبذلون قصارى جهدهم لعرقلة أي شيء يقترحه الديمقراطيون، وإثارة المتاعب لإدارة بايدن، كما سيطلقون هجمات ضد بايدن ونجله، في رد انتقامي لما فعله الديمقراطيون بترامب.