الدواء إلى الواجهة مجدداً.. 70% من أدوية الأطفال غير متوفرة والتبريرات جاهزة!
مرة جديدة يعود إلى الواجهة سيناريو اختفاء الأدوية من رفوف الصيدليات وتخزينها في المستودعات ريثما تستجيب الجهات المعنية لمطالب معامل الأدوية برفع سعر الدواء، والذي على ما يبدو أصبح مستساغاً لها بعد تجارب سابقة بحرمان المرضى منه والبحث “بالسراج والفتيلة” عن حبة دواء للأطفال والعجزة في السوق السوداء، أو شراء المهرب منه، ريثما تصدر وزارة الصحة قرارها بما يتماشى مع طمع أصحاب المعامل الذين لم تختلف حيلهم عن حيل التجار بإخفاء السلع وإيصال المواطن إلى قناعة توفرها في السوق بسعر مرتفع أفضل من انقطاعها بشكل نهائي.
فقدان الدواء
وعلى الرغم من انقطاع كثير من الأدوية، لاسيّما حليب الأطفال الرضع وأدويتهم منذ أسابيع، إلّا أن تصريحاً لم يصدر ليوضح الأسباب والتبعات التي أوصلت الكثيرين إلى شراء أدوية أطفالهم بسعر الصرف كونه “مهرباً، إذ أكدت لنا إحدى الصيدلانيات عدم توفر أكثر من 70% من أدوية الأطفال وأكثر من 60% من باقي الأدوية منذ أكثر من شهر في حين قام بعض الصيادلة بإخفاء عدد من الأنواع وبيعها بأضعاف سعرها الأمر الذي تأكدنا منه عند محاولة شراء شراب التهاب للأطفال من صيدلية في ريف دمشق بعد عملية بحث استغرقت أكثر من ساعتين لنحصل عليه بسعر خيالي بحجة أنه “مفقود”، ووُجد عند الصيدلاني “بقدرة قادر”، في المقابل اكتفى الجزء الأكبر من أصحاب الصيدليات بإغلاق صيدلياتهم تجنباً للبيع بسعر مرتفع والخوض في متاهات أسئلة المرضى.
حلول بديلة
تصريحات كثيرة تناقلتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حول أسباب نقص مادة الحليب للأطفال الرضع الذين وجدت أمهاتهم أنفسهم أمام عملية بحث عن وسائل أخرى تحل محل الحليب المجفف من خلال الاستعانة ببعض الأغذية المتممة، أو خلط الماء مع الحليب البقري بعد غليه وتبريده، لأن نسبة الدسم فيه مرتفعة ولا تناسب الأطفال حديثي الولادة، فضلاً عن مغليات الأعشاب، ومغلي الرز المطحون والنشاء، والراحة المذابة، وغيرها من الطرق التي تحدث عنها الدكتور هيثم زيود “أخصائي أطفال”، مشيراً إلى عدم سلامتها وتسببها بالكثير من حالات التسمم والتهاب بالأمعاء، إضافة إلى استقباله عدد من حالات الإسهال الشديد والجفاف نتيجة لجوء ذويهم إلى حلول غير صحيّة عوضاً عن الحليب.
في المقابل، وجدت شريحة أخرى الحل في الاعتماد على التهريب عبر الحدود اللبنانية وتحمّل أسعار باهظة للحصول على مادة الحليب لأطفالهم، بدلاً من حسرة العجز التي تنتابهم عند دخولهم كل مرة إلى الصيدلية للسؤال عن المادة المفقودة وتأتي الإجابة بالنفي.
تقاذف المسؤولية
على ما يبدو، لم يستغرق صمت نقابة الصيادلة أكثر من شهر لتخرج وتكرر على مسامع المرضى أمس، وعلى لسان نقيب الصيادلة، سيناريو نقص الدواء واستنزاف مستودعات الأدوية في ظل عدم توفر المواد الأولية لصناعة الدواء وارتفاع سعر القطع الأجنبي، وغيرها من الشمّاعات التي حفظناها غيباً، وصولاً إلى أن تعديل سعر الدواء للمرة الألف بات ضرورة لاستمرار معامل الأدوية، وفي محاولتنا التواصل مع نقابة صيادلة دمشق وريفها لمعرفة فيما إذا كانت نسبة زيادة سعر الدواء الأخيرة لم تتناسب مع تكاليف صناعة الدواء، وهل كانت تعمل في الفترة السابقة بخسارة طالما أن التكلفة لا تتناسب مع الربح؟؟! إلّا أنها تمنعت عن الرد عن استفساراتنا بحجة أن المعنيين بالإجابة هم معامل الأدوية ووزارة الصحة وأن النقابة تضم صوتها لصوت الصيادلة والمرضى بضرورة تعبئة الرفوف الخاوية بالدواء.
في المقابل تحدث لنا الدكتور فداء العلي مدير عام شركة تاميكو عن استمرار الشركة بتصنيع الدواء وفق التسعيرة القديمة مشيراً إلى توفر جميع الأصناف الدوائية المنتجة من قبل الشركة، وأنه يتم توزيعها على مستودعات نقابة الصيادلة عبر وكلائنا وموزعينا، ولم ينف العلي أن معامل الأدوية تتعرض لخسارة حالياً كون تسعيرة الدواء لا تغطي تكاليف صناعته، لافتاً إلى أن تسعيرة شركة معمل تاميكو سيتم تعديلها قريباً.
عدم فعالية
وبعيداً عن الردود الرسمية وتقاذف الاتهامات بين الجهات المعنية المتهربة من التصريحات، تجنباً لرد فعل الشارع العام المترقّب، توجهنا في استفساراتنا لأحد موزعي أدوية شركة خاصة والذي نفى خسارة أي شركة دوائية في القطاعين العام والخاص، فمعامل الأدوية هي كأي مشروع اقتصادي هدفه الربح لا الخسارة، لكن ما يحصل اليوم هو عدم اكتفاء أصحاب المعامل بهامش ربح بسيط وعزوفهم عن التصنيع ما لم يتحقق ربح كبير، إذ لا يمكن فصل مدراء معامل الأدوية عن التجار في إتباعهم لأساليب ملتوية بهدف تحقيق الربح الأكبر بحرمان المواطن والمريض من السلعة والدواء واضطراره للبحث عنها وتأمينها حتى لو بسعر السوق السوداء، لافتاً إلى أن تأمين الدواء من الدول المجاورة بسعر مرتفع أفضل من شرائه محلياً بالسعر المرتفع الذي يتلاعب به أصحاب المعامل ومن ثم الصيادلة، كون رفع سعر الدواء لا يزيد من فعاليته لاسيّما وأن مصادر “المادة الفعالة” ليس من الشركات الأم الأوربية بل هي شركات شرق آسيوية وهي تنتج مواد رخيصة لأسباب عديدة أهمها عدم الفعالية.
صفقات
في المحصلة، لم يعد خافياً على أحد أن تخزين الأدوية في المستودعات واستخدامها كورقة ضغط على وزارة الصحة لرفع أسعار الأدوية، بحجة سعر الصرف التي أشهرتها معامل الأدوية، لا تخرج من دائرة “المعزوفة المكررة” التي باتت تتخفى خلفها صفقات تُدار من قبل تجار، ويصب هدفها الأخير إمّا في مصلحة أصحاب المعامل المحلية وكسب رضاهم أو تنشيط الاستيراد في ظل حاجة السوق الملحة لبدائل مفقودة، وفي كلا الحالتين يكون المريض الخاسر الأول والأخير من هذه الصفقات المشبوهة!!
ميس بركات