أفراح المواطن السوري الاجتماعية تطغى على أتراحه الاقتصادية
منذ بدء الحرب العدوانية على بلدنا، عام 2011، وخاصة في السنوات الأخيرة، يشكو المواطن السوري اقتصاديا، وفي ميادين شتى، إذ يندر أن نام ذات مساء أو استفاق ذات صباح، إلا وهمُّ اقتصادي جديد يفاجئه قبل نومه ينغص خاتمة نهاره السابق، أو يباغته عقب استيقاظه، يعكر صفوه مع بداية نهاره الحالي، خلافا لكثير من الآمال التي ينشدها ذاتيا، أو الأقوال التي يسمعها رسميا.
فارتفاع الأسعار يكاد يكون أقرب إلى المتوالية الهندسية لا الحسابية، ولجميع المواد التي يحتاجها المواطن، أكانت تلك التي يحتاجها للاستهلاك اليومي، كالخضار والفواكه والحبوب، المتتابع ارتفاع أسعارها بدءا من آحاد الليرات قبل سنوات، لتصبح الأسعار بآلاف الليرات اليوم، أو تلك التي يحتاجها أسبوعيا أو شهريا، فتصاعد أسعار الألبسة والأحذية (بما فيها البالة)، والأدوات المدرسية، وكثير من الأدوات المنزلية والمفروشات، ارتفعت من مئات الليرات وآلافها لتصبح بعشرات الآلاف، بل وبمئات الآلاف لكثير منها، وارتفعت أسعار الأدوات الكهربائية المنزلية من عشرات الآلاف إلى الملايين.. قيمة غسالة كهربائية منزلية آلية ارتفع من 25 ألف ل. س قبل سنوات إلى أكثر من ثلاثة ملايين هذه الأيام، وكذلك أجور النقل أكان للأفراد أم المواد، وارتفعت أجور جميع الخدمات التي يحتاجها الفرد بدءا من الحلاقة الرجالية والولادية والنسائية وصولا إلى الارتفاع الكبير في صيانة واصلاح المعدات المنزلية، وخاصة الأدوات الكهربائية والإلكترونية التي تشكو كثيرا من ضعف توفر التيار الكهربائي المطلوب لتشغيلها، والذي كان لانقطاعه الطويل والمتكرر – أثناء وقت وجوده القصير – أثر كبير في تعطيل الكثير منها، والذي تكلفت صيانته مبالغ كبيرة، لا بل تسبب ذلك بإخراج بعضها كلية من الخدمة، وليس بمقدور الكثيرين شراء البديل.
والطامة الكبرى هي الارتفاع الكبير في تكاليف البناء، إذ أن نسبة كبيرة من الشباب الناشئ لم يعد بمقدوره تأمين مسكن ولو بالحد الأدنى من المساحة، ولم يعد بمقدور ذلك لكثير من ذويهم – كما كان معهودا سابقا – لأن معظم دخل أغلب الأسر يستهلكه الإنفاق اليومي، وإن توفر ادخار قليل فهو ليس كافيا لتحضير سكن للبنين، في ظل الارتفاع الكبير المتصاعد لمواد البناء. وحتى العمل الوظيفي يكاد يصبح من الأحلام نظرا للفارق الكبير بين أعداد طالبي العمل وحاجة الجهات الرسمية لعاملين جدد، وخاصة في ظل ما يشهده القطاع العام من تحجيم متتال لمنشآته. بل ومنذ سنوات تم الحد التدريجي من تشغيل خريجي المعاهد والكليات الملتزمة الحكومة بتعيين خريجيها، وكثير من المهندسين الذين تخرجوا قبل سنوات لم يتم تعيينهم حتى الآن، ومؤخرا تم الاعلام عن عدم التزام الحكومة بتعيين خريجي جميع الكليات الهندسية، إلا في ضوء الحاجة لخدماتهم.
وإحصائيات البطالة تنذر بآثار اقتصادية خطيرة، بالترافق مع انخفاض الإنتاج الفعلي عن الإنتاج الممكن، نتيجة انخفاض الطلب بسبب غلاء الأسعار، وبسبب خروج قسم من العاملين عن الإنتاج، وانخفاض الاستهلاك الكلي، ما يساهم بحصول ركود، وضياع الاستثمار في العنصر البشري، أولئك الذين تم تأهيلهم، ولم يتم الاستفادة من خدماتهم، ما يؤسس للخوف من زيادة احتمال ارتفاع الجريمة والعزوف عن الزواج لعدم توفر متطلباته، واستمرار ارتفاع معدلات الهجرة لاسيما جيل الشباب للبحث عن عمل في دول أخرى، وربما أخطر هذه الآثار احتمال انجرار العاطلين عن العمل وراء أي مصدر دخل ولو بشكل غير أخلاقي أو قانوني أو وطني.
رغم هذه الأتراح الاقتصادية الكبيرة والمؤلمة، والتي تُظهر علائم الأفق أنها في تصاعد متتابع، فقد طغت الأفراح الاجتماعية على هذه الأتراح، وتميزت أجواء أعياد الميلاد ورأس السنة بوجود البسمة والأمل عند نسبة غير قليلة من السورين أسرا وأفرادا، وإن تكن الكثير من بسمات الشفاه تخفي وراءها الكثير من غصات القلوب، والحديث عن الألم يزداد على ألسنة الناس، إلا أن الملاحظ أن الأمل لازال هو الغالب على الألم عند الكثيرين، وإيمانهم لا يتزعزع أن الضيق يعقبه الفرج مهما استطالت فترة الضيق، ولا يغيب عن بالهم أن الأمل يتطلب العمل، على أن يكون مقترنا بسياسة اقتصادية حكيمة للحكومة، تقدر صبر الشعب وتستأنس بأخطاء قرارات وإجراءات الأمس، لصالح تصويب قرارات وإجراءات الغد.
عبد اللطيف عباس شعبان / عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية