تألق آلات الددوك والدهول والطنبورة والساز في أمسية ألحان من الشمال٢
ملده شويكاني
“لا تنظري إليّ” الأغنية الكردية العاطفية، كانت حاضرة بصوت آلان مراد، وعزفه على البزق الذي أخذ دور اللحن الأساسي مع الفرقة الموسيقية، بقيادة المايسترو نزيه أسعد، في أمسية “ألحان من الشمال2” على مسرح الدراما بإشراف الباحث إدريس مراد، فقدمت لوحة بانورامية عن تراث الجزيرة السورية الغني بأنواعه من التراث السرياني والأرمني والكردي والمردلي.
وقد جمعت بين مقطوعات الموسيقا الآلية والغنائية، وأوضحت التقاطعات اللحنية بينها، كما تميزت بدور بعض الآلات الموسيقية الشعبية المنتشرة بالجزيرة السورية والمتوافقة مع ألحانها مثل آلة الدهول الإيقاعية التي تشبه الطبل، والددوك الآلة الأرمنية الشعبية الشهيرة ذات الألحان الرقيقة والتي شاركت في أمسيات عدة على مسرح الأوبرا للتراث الأرمني، إضافة إلى الآلات الثلاث الأساسية بألحان الجزيرة، الطنبورة والساز والبزق، والتي باتت معروفة من خلال المهرجانات. ومع الوتريات والإيقاعيات وآلات التخت الشرقي كان لعازف البيانو إياد جناوي دور في بعض المقطوعات، وكذلك الأكورديون وسام الشاعر، كما حظيت الفرقة بمشاركة عازفين من حلب وكسب وعفرين. وأظهر المايسترو أسعد دور بعض آلات الفرقة بصولو.
أغلب المقطوعات كانت من توزيع المايسترو نزيه أسعد، إضافة إلى مهيب المغربي وبهجت سرور وشيركو دقوري، كما شارك المايسترو كمال سكيكر بالعزف على العود وبالتوزيع. ومن خلال العرض المتناوب بين الغناء والموسيقا الآلية، تألق تراث منطقة عفرين.
اللهجة المردلية
وبعد الافتتاحية تحية إلى سعيد يوسف من مقطوعاته، غنى هوفيك كربو من التراث المردلي “الهوى لايهب عليك” توزيع نزيه أسعد باللهجة المردلية المحكية، فسبق الغناء بصولو الكمان ومن ثم تشكيلة الفرقة بدور التشيللو والكمانات.
آلة الددوك والتراث الأرمني
وانتقلت الفرقة إلى التراث الأرمني، بصولو الدودوك، الآلة الشعبية الأرمنية، ومرافقة التشيللو بصوت خافت، ومن ثم الأكورديون. ومع نغمات البيانو والفرقة بلحن هادئ غنت ماريا جيجيان القادمة من حلب الأغنية الرقيقة النسيم “زوميرونيامان” -توزيع نزيه أسعد، ثم غنت من التراث الأرمني أغنية أحبك “بوطالستالام”- توزيع كمال سكيكر- بلحن مغاير نشط وحيوي بمشاركة راقصتين أرمنيتين من حلب، فتناغمت حركاتهما الراقصة مع اللحن الهادئ في البداية ومن ثم تصاعد اللحن الموسيقي مع الفرقة بإيقاع سريع فبدت خصوصية الرقص الأرمني بسرعة الخطوات على رؤوس الأصابع مع تحريك الأيدي التعبيري بالقفلة.
كما قدمت الفرقة مقطوعة للموسيقا الآلية من التراث الأرمني توزيع مهيب المغربي، بدور جميل للبيانو، وبالدور الكبير للآلات الإيقاعية الرق والدف والدهول، ضمن اللحن الحيوي السريع مع فواصل صولو للترومبيت والكلارينيت والناي لكل آلة على حدة.
آهات
ومن التراث السرياني غنى أيضاً هوفيك كربو-توزيع نزيه أسعد- أغنية عاطفية فبدأت بصولو الددوك بمرافقة التشيللو الخافتة، ومن ثم الفرقة وتخللها صولو الفيولا، وامتزجت مفردات الأغنية العاطفية “بدربو دلوقيتا” مع الآهات وامتدادات صوتية في مواضع على وقع العود والبزق.
عفرين وثنائي الصولو
ورغم تفاعل الجمهور مع كل المقطوعات إلا أن تفاعله مع تراث منطقة عفرين كان أكبر من خلال المقطوعة الآلية –توزيع بهجت سرور- لاسيما أن الخلفية السينمائية ساهمت بإغناء اللحن بعرض متتالية من الصور لطبيعة المنطقة وآثارها ومنازلها الحجرية وقناطرها وجسرها، فبُني اللحن على ثنائي الصولو، إذ أخذ اللحن الأساسي للعازف أكرم نازي على آلة الطنبورة الدور الأول بمشاركة الساز، مع الضربات الإيقاعية الخفيفة ومرافقة الكمانات ومن ثم مع الفرقة، لتأتي القفلة مع الصولو الثنائي.
البزق والغناء الكردي
أما الوصلة الكردية فبدأت بمقطوعة آلية “رقصة كردية” توزيع نزيه أسعد، ومن ثم الغنائية فاتسمت بدور إيقاعي خاص لاسيما آلة الدهول ضمن تشكيلة الفرقة، وكان البزق اللحن الأساسي في المقطوعات الغنائية بصوت آلان مراد وعزفه على البزق، فبعد أن غنى “لا تنظرين إليّ” ألحان ريبر وحيد وتوزيع نزيه أسعد غنى من التراث الكردي أغنية بعنوان “رحلة” تتغنى بطبيعة المنطقة مع تشكيلة الفرقة بدور آلات التخت الشرقي خاصة، وتخللها صولو الكلارينيت.
الطنبورة الصغيرة
وعلى هامش الأمسية أوضح الباحث المشرف على العمل إدريس مراد في حديث لـ “البعث” أن موسيقا الجزيرة السورية غني جداً، وركزنا على مؤلفي الثمانينيات مثل سعيد يوسف وآرام تيكران ومحمد علي شاكر وغيرهم، إضافة إلى التراث المنوع بالمنطقة، تم توزيعها أوركسترالياً بحذر لأن موسيقا هذه المنطقة لا تحتمل الهارموني الثقيل، فحاولنا الابتعاد عن الزخارف وتقديمها بلونها، ولابد من وجود تقاطعات فيما بينها.
ثم توقف عند المقطوعة الآلية الشعرية “عيشة”من تراث منطقة عفرين والتي عُزفت على الطنبورة الصغيرة لأول مرة وتعود هذه الآلة إلى آلاف السنين.
ذات هوية خاصة
وتابع المايسترو نزيه أسعد بأن الألحان مأخوذة من البيئة الشمالية، من المؤلفين ومن الألحان الشعبية، حولناها إلى ألحان أوركسترالية بالرتم ذاته.
وعن خصوصية هذه الألحان، عقب بأن المنطقة الشمالية ذات هوية موسيقية خاصة، تختلف عن بقية المناطق الجغرافية من حيث الإيقاعيات وطرح المقامات بأسلوب مختلف مثل الكرد والبيات والنهاوند، حتى النوتات الموسيقية لمقام البيات بالمنطقة الشمالية على سبيل الذكر تختلف عن نوتات مقام البيات للمنطقة الجنوبية بأبعادها.
وتم التركيز على بعض الآلات الخاصة مثل الطنبورة والدودك والساز والدهول.
هوفيك كربو
كما أعرب هوفيك كربو من القامشلي عن سعادته بالمشاركة للمرة الثانية بغنائه المردلي والسرياني، وتحدث عن بعض المفردات في اللهجة المردلية مثل “ضلالة” أي حبيبتي، وعن معنى الأغنية العاطفية التي غناها بالسرياني، وتتعلق بانتظار لقاء الحبيبة على الطريق.