معرض “انتصار حلب”.. معرض تشكيلي يسرد لونياً وفاء المدينة للشهداء
حلب – غالية خوجة
ماذا يسرد لنا فنانو حلب بأعمالهم التشكيلية؟ وكيف يحكون لونياً عن وفائهم للشهداء؟ وكيف يحتفلون بذكرى تحرير وانتصار حلب؟
لعلنا نجد الكثير من الأسئلة الموضوعية والفنية في معرض “انتصار حلب” الذي يقيمه اتحاد الفنانين التشكيليين – فرع حلب في صالة الأسد للفنون الجميلة، من خلال أعمال 46 فناناً وفنانة، منها 8 أعمال نحتية، تماوجت بـ 54 عملاً أغلبها يعرض لأول مرة، ليسرد السنوات العجاف، ويبوح بسرّ الصمود والأمل ومواصلة الدرب المضاءة بالأبرار الخالدين، ويحكي عن أحداث مريرة عاشتها النفوس الداخلة إلى الحياة من بوابات الألوان، وتفاصيلها الذاتية والاجتماعية والوطنية، بمشاهد تنطق بحزن شامخ وفرح شامخ، إضافة للتشكيلات الحروفية والخطية، ما يجعل أبطال اللوحات وشخوصها تجتذب الحضور العاشق في هذا المعرض.
حزن شامخ مثل الفرح
عن المعرض، أخبرنا التشكيلي إبراهيم داود، أمين سر الاتحاد: أشارك بلوحة “البشارة” وأجسد فيها حلب كأنثى مكلومة بأناقة، قلبها المحبة والعطاء، وعلى كتفها الحمامة البيضاء، وفي عينيها مستقبل يشرق من الغموض، وتابع: أصبح هذا المعرض الدوري تقليداً سنوياً لفناني حلب، تخليداً للأرواح الطاهرة وانتصار حلب، وتنتمي الأعمال المشاركة لمدارس فنية متنوعة وكل حسب أسلوبه الفني وثقافته وآلامه وآماله، وتعكس آثار الإرهاب، وفرحة النصر، والحلم بالأفضل، وتختزل معاناة الشعب السوري وخصوصاً في حلب الشهباء، وتعكسها فرحاً بالتحرير والانتصار والفخر بسورية قيادة وجيشاً وشهداء وجرحى، لتصل رسالتنا للعالم من مدينتنا الشهباء التي لا ولن تموت.
ورأى الفنان المهندس غسان سعيد أن كلاً من المعرض والحاضرين يعبر عن حالة وعي المجتمع وتطوره الثقافي والفني، وأشارك بلوحة عن مكان تراثي بحلب تبدو فيه الذاكرة مشرقة بلونها العتيق المتدرج مع لون الأحياء الكلاسيكي وأبعادها الجمالية، ومزجت فيها خبرتي الفنية ومجالي في الهندسة المعمارية.
وأكد التشكيلي محسن خانجي: يقدم الفنانون فرحهم بوعي جديد وإشراقة جديدة للخروج من الأزمة، كما أن للإدارة الجديدة رؤاها الجديدة.
وبدوره قال الفنان جبران هدايا: أشارك بلوحة بورتريه “وهج الصبر” لأجعل الأسود رغم حضوره القوي يتراجع لصالح الأبيض الضوئي، وأجد أن المعرض في هذه الدورة أفضل من حيث اختيار الأعمال، لأن الإبداع لا يحتاج لمسايرة وخجل ووساطات، إضافة إلى أن الفنانين الحلبية يجربون دائماً ويتطورون.
وركّزت الفنانة تالين دارقجيان في لوحتها “صراخ الضوء” على البُعد الجواني، قائلة: من خلال الصراخ أبعث رسالة نفسية جماعية تساعد على التخلص من الطاقة السلبية من أجل العبور إلى الضوء، وهذه الحالة أتت بعد سكوت طويل لإبعاد التشاؤم والأفكار السوداء والخروج من زمن الصمت والشظايا الذي أرمز له بالساعة إلى زمن متجدد لونه أبيض.
وأخبرنا الفنان الطبيب سعد قصبجي: لوحتي “سوق السقطية” تحكي عن إعادة الإعمار، وحرصت على حضور الأشعة من فتحات السوق المسقوف كرمز لحلب القديمة المتجددة دائماً رغماً عن كل الكوارث.
وقالت الفنانة إليان فتال: شخصنتُ مدينة حلب بلوحتي لتمثلنا جميعاً كشخص واحد بحالته الروحية والنفسية رغم مرور طعنات الغدر والظلام والإرهاب في هذا الجسد، ورغم كل هذه الحرب ظلت شامخة، وستظل، وهذا ما رمزت له بلون الهالة الصفراء المشعة الخارجة عن المألوف.
وقال الفنان بشار البرازي: ألاحظ تداخلاً جميلاً بين الفنانين المشاركين من مختلف الأجيال، وإن كنا نتمنى أن تكون جميع المشاركات جديدة وغير معروضة سابقاً، وأشارك بلوحة “إعادة الانبعاث” وهي تجريدية تعبيرية ورمزية، تمثّل فضاء متجانساً بين لونين أحدهما حار وثانيهما بارد، وما بينهما من تدرجات تستعيد كينتونتها بدواخل جديدة وشخوص جديدة وسماء جديدة وأرض تظل متشبثة بجذورها وتراثها من خلال بعض نوافذ الزجاج المعشق.
وحدثتنا الفنانة حياة الرومو: منذ 6 سنوات وأنا أشارك في هذا المعرض، واليوم، أشارك بلوحة “الأم” لأعبّر بها عن سورية وهي ممسكة بيد طفلتها الحاملة للعبتها، وتمضي معها بين الأشجار وحالتها الشتائية البيضاء لتقول للعالم: سنظل الطمأنينة المحتضنة للنصر والسلام والمحبة.
ولفتني حضور الطفلة عليا دهنة التي أخبرتني بأنها طالبة في الصف الخامس، وأنها أول مرة تحضر معرضاً، وهي سعيدة لأنها ترى لوحات تعبّر عن الحزن والفرح والتراث. أمّا ماذا أعجبها؟ فقالت لوحة القلعة وما فيها من شوارع قديمة لأنها تتحدث عن عظمة حلب وتعلّمنا الدفاع عن الوطن.
وكان فنان هذه اللوحة صلاح خالدي يبتسم وهو يستمع لحواري مع الطفلة، ثم يقول: لوحتي “بانوراما حلب” تجمع معالم حلب وحاراتها وترمز للعيش المشترك من خلال المساجد والكنائس، وللتداخل ما بين التراث والمعاصرة، وتتوج هذه البانوراما قلعة حلب، كما أن لهذه اللوحة ذاكرة لأنها كانت في المكتبة الوقفية التي دمّرها الإرهاب، وأعدت رسمها من جديد.
حلب الحب
تتداخل الذكريات والأحلام في الصالة التي تتوسطها منحوتات الفنان عبد القادر منافيخي وهو يعبّر عن حالات من الانسجام بين مواده الطبيعية وتشكيلاته المختلفة بين أشكال هندسية وكلامية ومعمارية، وبين اللوحات المعلقة ومنها لوحة الفنان خلدون الأحمد “حبحلب” التي رسمها بتشكيلية خطية تجريدية معبّرة عن النبض الإنساني والمكاني.