دراساتصحيفة البعث

الخارطة السياسية الفاشية داخل الكيان الصهيوني

ريا خوري

بعد الانتخابات الأخيرة في الكيان الصهيوني التي جرت في الأول من شهر تشرين الأول الماضي، سعى الائتلاف لتشكيل حكومة الانتقال التي تم وصفها بالفاشية، والتي تتشكّل من أربع كتل برلمانية، ثلاث تيارات من تلك الكتل تمثل الخارطة الأيديولوجية والسياسية في الكيان الصهيوني، وهي أيديولوجيا مهينة، حسب عدد كبير من المراقبين.

هي تشكيلة على خلاف ما شهدته المنظومة السياسية داخل الكيان منذ مدةٍ طويلة، خاصة أن تلك التيارت تنهل من أفكار ونهج ائتلاف حكومة بينت – لبيد التي كانت تشكّل ثماني كتل برلمانية، فقد كان حزب الليكود اليميني المتطرف الحاكم خلال الأربعين عاماً الماضية هو الذي بلور ملامح النظام السياسي في الكيان، وتغلغل في مفاصل الكيان وإداراته، وبالتالي أفضت نتائج الانتخابات مزيداً من الإنحطاط والتهاوي، فمقابل حزب الليكود اليميني الذي حصل على إثنين وثلاثين مقعداً برلمانياً، حصلت الأحزاب الشوفينية اليمينية العنصرية على إثنين وثلاثين مقعداً برلمانياً أيضاً. وهذه المجموعة تنقسم إلى مركبين إثنين، بحيث تمثِّل الأحزاب السياسية التقليدية المتشدِّدة من الحريديم المكونين من حزب “شاس” الديني المتطرف الذي يتزعمه إرييه درعي، و”يهوديت هتوراه” وهو تحالف من “ديغيل هاتوراه” و”أغودات يسرائيل”، وحصلا على ثمانية عشر مقعداً  (منها أحد عشر مقعداً لحركة “شاس”، وسبعة مقاعد لكتلة “يهدوت هتوراه”)، بينما تتمثل حركة “الصهيونية الدينية” التي تحوّلت إلى حزب سياسي باسم “همزراحي” تشكل رأس حربة فاشية صهيونية، ونواة الحزب الفاشي العنصري على النسق الصهيوني بقيادة بن غفير وسموطريتش بأربعة عشر مقعداً برلمانياً.

في هذا السياق، لا يمكن إغفال حقيقة التحولات التي طرأت على حزب “الليكود” اليميني وما يمتاز به من طابع “ليبرالي يميني تقليدي”، والذي غلب عليه خليط من اليمين الشعبوي المتطرف والمتشنج، وعناصر دينية وعلمانية تحمل أفكاراً فاشية وعنصرية، ويمين نيوليبرالي فاسد ومفسد، بحيث لم يعد بمقدوره استيعاب فكرة الديمقراطية الليبرالية.

إن ظهور ائتلاف في هرم السلطة يتشكّل نصفه الأول من شخصيات ليكودية مأزومة، ويتشكل نصفه الثاني من إثنين وثلاثين مقعداً برلمانياً يشكلون كتلة دينية تتماوج في طياتها الشخصيات المنغلقة دينياً والمنطوية داخل مدارسه ومؤسساته وأحيائه وتقاليده الدينية كـــ “الحريديم” من جهة، وبين القسم الثاني الاستيطاني اليميني الشوفيني، وهو الأكثر دموية وعدوانية  تجاه الشعب الفلسطيني الصامد متمثلاً بكتلة “همزراحي” برئاسة بتسلإيل سموطريتش عضو الكنيست عن “البيت اليهودي”، وايتمار بن غفير الذي يشغل منصب وزير ما يسمى الأمن القومي في الكيان الصهيوني، فإن هذا التحوّل يشي بأن تدهوراً نوعيا وانهياراً واضحاً قد طرأ على النظام الحاكم في الكيان الصهيوني والرأي العام، وهو يفرض تحديات جديدة ومهام أمام القوى التقدمية العربية واليهودية في الكيان  وأمام القوى المناهضة للفاشية لها.

من الحالات التي ترافق الانتقال الفاشي العنصري أنّ القاعدة الشعبية في الكيان تستند إليها القوى العنصرية الفاشية المسيطرة على سدة الحكم وتتشكّل من غلاة المستوطنين الشعبويين المتطرفين من جهة، ومن الفئات الشعبية المهمَّشة في البلدات الصغيرة وفي أحياء الفقر في المدن  المختلطة وخاصة في المدن القديمة، من جهة أخرى.

مع العلم أن هذه الفئات هي المرشحة لتكون ضحية الفاشية والعنصرية والتطرف، والأكثر معاناة وقهراً من السياسات الفاشية اليمينية المتطرفة والنيوليبرالية المتوحشة في خدمة الرأسمالية المتوغلة في حياة الشعوب، لكنها توفر للفاشية العنصرية في الوقت ذاته قاعدتها الشعبية ورعاعها الغوغائية الذي تستند اليه في انفلاتها وتحريضها قومياً وشوفينياً عنصرياً.

في هذه الحالة البائسة، يلتقي المكوّن الفاشي اليميني العنصري على ضرب الشعب الفلسطيني، مستنداً الى القوى الدينية اليهودية الظلامية المنغلقة والتي تعيش في ظلال التوراة والتلمود  لتبرير الاحتلال وممارسة الأبارتهايد ضد الفلسطينيين.

ومن خلال قيامها بعملية تديين الجيش وأدواته وعسكرته، وإعداد قيادات وعناصر على نسق إعادة انتاج الوعي الصهيوني الديني الشرس، فقد أسس هؤلاء وحدة عسكرية صهيونية أطلق عليها اسم “وحدة خلود يهودا” المشكّلة من الجنود اليهود المتدينين المتشددين والمتعصبين بهدف استخدامهم لقمع الشعب الفلسطيني، وقد ساهمت معاهد “اليشيفا التلمودية” في تعزيز منظومة الاحتلال وحماية المستوطنين والدفاع عن جرائمهم، وهذا ليس غريباً على الكيان العنصري الغاصب، فقد كانت النخب العسكرية الصهيونية في جيش الكيان قد جاءت تاريخياً من الكيبوتسات والموشافات باعتبارها الطلائع الأولى للمشروع الصهيوني العلماني، وشكّلت اليسار الصهيوني الفاشي الذي ارتكب حروب عدوانية ومجازر بشعة منذ طور التأسيس الأوّل.

حتى الأكاديمية العسكرية الصهيونية التي عرفت باسم  “بني ديفيد” أي “أبناء داوود” كانت قد تأسست عام 1988، وساهمت في وضع مشروع تديين الجيش الصهيوني وعسكرة الدين، وجعلت هدفها المركزي تكوين نخب المستقبل في جيش الكيان الصهيوني على شاكلتها، والتي تمثلت بحركة الهاغاناة والليحي والإتسل والأرغون على شاكلة عصابات المستوطنين المجرمين المتوحشين المنفلتة والمحمية من قبل جيش الكيان الغاصب، وفرض فكرة أسبقية “أرض إسرائيل الكبرى” على الادعاء الديمقراطي في معادلة شعار (دولة يهودية وديمقراطية) وهو شعار مخادع، وما يتطلبه ذلك من مأسسة عقلية ومعرفية الإمعان الدموي الإجرامي في قهر الشعب العربي الفلسطيني. كما اتسمت مناهج التربية والتدريب والتعليم في الأكاديمية العسكرية الصهيونية (بني دافيد) بالتديّن والتطرف وروح التعصّب، وقد اعتلى العديد من خريجيها مناصب رفيعة في جيش الاحتلال وفي  المناصب السياسية.

لقد تمدّد المستوطنون في غيّهم وتوغلهم في حياة الشعب الفلسطيني من خلال تفشي الخطاب الديني الغيبي داخل أجهزة الكيان ومؤسساته وإداراته ومنظومته السياسية والعسكرية، فقد اعتبر العديد من المراقبين أنّ هناك “ريحاً شريرة” تهب على جيش الكيان الغاصب الذي بات يعرض نفسه على أنه “جيش الرب”.

هذه هي نقطة الارتكاز التي تجمع مفهوم الاحتلال المتواصل ومشروع الاستيطان الاستعماري من جهة بالأصولية الدينية المتشنجة والمدعومة في نهاية المطاف من رأس المال الكبير، والتي قادت بشكل حثيث الى الانتقال الفاشي في “إسرائيل” في شكله الذي نشهده اليوم، وهذا هو المؤشر الى أن تشكيل حكومة نتنياهو – درعي- بن غفير- بتسلإيل سموطريتش الذي يكتمل في هذه الأيام يشكل نقلة نوعية خطيرة في حالة الكيان الصهيوني الغاصب، وفي الهيمنة الفاشية على السكان داخل الكيان.