الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

الترجمة.. بأيدينا!

حسن حميد

لا أعرفُ حقاًّ ماذا ننتظر كيما يعرف الآخر إبداعاتنا وأفكارنا وفنوننا، وكيما يعرف الآثار الشيطانية التي تركتها ثقافة الاستعمار في بلادنا، وما أصابت بها مجتمعاتنا من عطوب  آذت المكان  والزمان والأجساد والأرواح!

ولا أدري ماذا ننتظر حقّاً كيما يعرف الآخر أهمية ما نبدعه في الآداب والفنون عبر سيرورة جيلية ممتدة عبر متوالية زمنية عرفها الأجداد والآباء طوال حقب تاريخية، وما زالت شعلتها الإبداعية متقدة وستظلّ!

أتساءل، والحيرة تلفّني، لأنني لا أجد من سبيل لكي يعرف الآخر إبداعاتنا سوى سبيل الترجمة، أيّ نقل ما أبدعناه من آداب وفنون من لغتنا العربية إلى اللغات العالمية الأخرى، وبأيدينا، لأنّ الآخر لا يريد أن يترجم، عبر من يعرفون اللغة العربية، سوى ما يوافقه ويتفق مع فكره وتوجهاته. لهذا فإنّ المطلوب وبإلحاح هو أن نترجم نحن إبداعاتنا إلى اللغات الأخرى، كي لا تظلّ ثقافتنا، ومعارفنا، تحت رحمة الآخر الذي يقابلها باللامبالاة حيناً، وبالإهمال حيناً، وبالانتقائية حيناً آخر! علينا أن نقيم مؤسسات الترجمة، كمشروع حضاري، ونعدّ خيرة العارفين باللغات الأجنبية، وخيرة العارفين بالنقد الأدبي والفني، كي نختار ما نريد ترجمته إلى هذه اللغات العالمية، وأن نطبع نحن هذه الترجمات، وأن نوزّعها عبر سفاراتنا في العالم، وأن نعقد الاتفاقيات الثقافية مع دور النشر العالمية، ومع الهيئات المعنية بمعارض الكتب كيما يصل كتابنا المترجم بأيدي أبنائنا إلى الآخر وبلغته، وأن نتابع مسارات هذه الكتب المترجمة إلى المكتبات العامة والخاصة، وإلى مراكز البحوث، وإلى الجامعات أيضاً؛ لأنه من دون هذا المشروع، ومتابعته باهتمام شديد، وحرص مؤيد بالروح الوطنية، فإننا سنظلّ منتظرين لمن تدب الهمة في جسدهوعقله كي ينقل بعض ما كتبه كتّابنا، وفق ما تراه ذائقته، ووفق ما يراه عقله صالحاً للترجمة!

أقول هذا، وأتمنّى تحقيقه، لأنه، وطوال زمن مقداره مئات السنوات، لا يعرف الآخر الكثير عن ثقافاتنا وإبداعنا،وفنوننا، لأنّ كلّ ما عرفه كان قليلاً، وقليلاً جداً، لأنّ ترجمته خضعت لشروطه هو، وذائقته هو أيضاً. وهذا ما أوجد ارتباكاً في معرفة ثقافتنا الحقّة، وفي معرفة مدونة القيم الإنسانية التي نؤمن بها، لأنّ تشويه صورتنا ما زال مستمراً منذ مئات السنوات وحتى يومنا هذا، ولأنّ هذا التشويه تمّ ويتمّ عن طريق بعض المستشرقين الذين عرفوا لغتنا العربية، فإنّ المطلوب هو المشروع المتعلّق بالترجمة من اللغة العربية إلى لغات العالم الأخرى، كي يعرف  هذا العالم من نحن حقاًّ، لأنّ ذهنية الآخر، وفي الكثير من بلدان العالم، ما زالت واقفة عند كتاب “ألف ليلة وليلة” كرواية، وعند “المقامات” وما فيها من صور السخرية والخداع، والضعف الفني، وعند شعر الكدية والتكسب! ثقافتنا، وإبداعنا، ومعارفنا، وفنوننا، ليست هي  في هذه القراءة المجزوءة، أو في هذه الانتقائية الظالمة، ولتغيير وجهة هذه القراءة ما علينا إلا أن نختار الكتب والإبداعات والفنون التي تعبّر عن قدراتنا والاشتقاقات التي عملنا عليها!

لقد كتبنا عن قيم الحرية، والفداء، والبطولة، والكرامة، والكبرياء، والحضور الحضاري، لكن هذه الكتابات لم تترجم إلى اللغات الأخرى بعد. كلّ الروايات والأشعار، والقصص والمسرحيات، التي كتبها الأجداد والآباء عن مقاومتنا للاحتلال الفرنسي، على سبيل المثال، لم تترجم إلى اللغة الفرنسية! وبذلك ظلّت صورتنا محكومة بالنظرة الفرنسية التي سبقت انتداب فرنسا على سورية!

وكلّ ما أبدعناه من آداب وفنون ونحن في خضم الصراع العربي الصهيوني منذ مئة سنة وحتى اليوم لم يعرف الترجمة إلى اللغات الأجنبية التي تتكلمها وتقرأ بها الشعوب التي آمنت بالقوة والغطرسة سبيلاً لتركيع الشعوب.

بلى، لا بدّ من تعديل الصورة، بل لا بدّ من تغييرها، ولن يتمّ هذا إلا بالترجمة من لغتنا العربية إلى اللغات الأجنبية وبأيدينا، ووفق رؤانا!

Hasanhamid55@yahoo.com