دراساتصحيفة البعث

الدولار على وشك الانهيار في آسيا

هيفاء علي

على من يودّ معرفة مدى قلق المسؤولين الآسيويين بشأن انخفاض الدولار الأمريكي هذا العام، فما عليه سوى النظر إلى المشهد المحموم في المقرّ الرئيسي لبنك اليابان، حيث تشير المعلومات إلى أنه منذ خمسة أيام على الأقل، يقوم فريق حاكم بنك اليابان هاروهيكو كورودا بعمليات شراء ضخمة للسندات غير المخطّط لها، وذلك بسبب ارتفاع الين في الأسبوعين التاليين لإعلان كورودا عن توسيع النطاق الذي يمكن أن يتداول فيه عائد 10 سنوات بنحو 0.5٪ مقابل 0.25٪.

بالنسبة لبنك اليابان، كان ذلك بمثابة المكافئ النقدي لفتح صندوق باندورا، وبحسب خبراء الاقتصاد، كانت هذه الحركة تهدف إلى الحدّ من التوترات، حيث اندفعت أسعار الفائدة الأمريكية واليابانية في اتجاهات متباينة. الآن، يكافح بنك اليابان للحفاظ على الين من الارتفاع المفرط والسريع للغاية وضرب المصدّرين اليابانيين. في هذا السياق يوضح مايكل برفيس، العضو المنتدب لشركة “تولباكن كابيتال ادفايزور” كيف أن الوضع في العام 2023 الجاري سيكون مماثلاً للعام الماضي تماماً من بكين إلى جاكرتا.

على مدى الاثني عشر شهراً الماضية، عانت المنطقة من تداعيات ارتفاع الدولار المرجح بالتجارة بنسبة 8٪، مما أدى إلى انتزاع التيار الهائل لرأس المال من الأسواق حول العالم، مدفوعاً بالتشديد الأكثر عنفاً من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي منذ 27 عاماً، بحيث تسبّب الزخم في تقلبات شديدة في العملات وقيم الأصول. وقد حان الوقت لكي تستعد آسيا لانخفاض الدولار، وهي حركة هبوطية فوضوية ربما تدفع المستثمرين العالميين إلى اتخاذ موقف أكثر عدوانية للابتعاد عن المخاطرة، مضيفاً أن القلق الأكبر هو أن المستثمرين لديهم أربعة أسباب وجيهة على الأقل للتخلص من الدولار:

  • الأول هو الاحتمال المتزايد للنمو السلبي في الولايات المتحدة هذا العام.
  • الثاني أن أمريكا تمرّ بأسوأ تضخم منذ 40 عاماً والذي من المرجح أن يكون أكثر جموداً مما تعتقد الأسواق.
  • الثالث هو دين وطني لا يمكن تحمّله يبلغ 32 تريليون دولار أمريكي.
  • الرابع هي الحزبية السامة على مستوى لم تشهده الكابيتول هيل منذ اثني عشر عاماً.

تأتي هذه الضربة الرباعية للمخاطر الداخلية في مواجهة مشهد خارجي مظلم، إذ يمكن للفوضى الناجمة عن تفشي فيروس كورونا أن تخلق حالة جديدة من عدم اليقين بشأن عمليات المصانع الصينية، وبالتالي مشكلات جديدة لسلاسل التوريد العالمية. من ناحية أخرى، قد يؤدي ازدهار الطلب الصيني إلى تفاقم الضغوط التضخمية العالمية، بينما ستظل مشكلات التضخم في أوروبا حادة، ومن المتوقع أن تكون ديناميكيات سوق الطاقة صعبة كما كانت في عام 2022 بسبب النزاع في أوكرانيا، إذ توقع خبراء الاقتصاد دخول منطقة اليورو في ركود معتدل بحلول نهاية العام، وأن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.5٪ في عام 2023، ويوضحون أن المشكلة تكمن في الضغط الحاد في دخول الأسر الحقيقية، وهوامش الشركات التي دفعت المعنويات إلى أدنى مستوياتها منذ الأزمة المالية العالمية 2008/2009. يضاف إلى ذلك، التحول المتشدّد من قبل البنك المركزي الأوروبي الذي هزّ منطقة اليورو، وآفاق النمو العالمي لعام 2023 وترك الدولار في وضع مختلط نوعاً ما.

من جهته، يريد البنك المركزي الأوروبي شروطاً نقدية أكثر تشدداً، بما في ذلك أن يكون اليورو أقوى. ومن جهة أخرى، لم ينته بنك الاحتياطي الفيدرالي من دورة التضييق، كما أن التباطؤ العالمي ليس قصة جيدة بشكل عام لعملة مسايرة للدورة الاقتصادية مثل اليورو، ولهذا السبب تكافح اليابان لدرء ركودها، حيث يعاني ثاني أكبر اقتصاد في آسيا من تضخم بنسبة 4٪ تقريباً للمرة الأولى منذ عقود، ما دفع الخبراء إلى التأكيد أن الاقتصاد الياباني سوف يدخل حالة ركود ذات يوم أو آخر هذا العام. من هنا جاءت الجهود العاجلة التي يبذلها بنك اليابان للحدّ من أسعار الصرف حتى لا تقتل محرك التصدير المهمّ للغاية.

الولايات المتحدة ليست أفضل حالاً، حيث يشهد اقتصادها حالة ركود بكل معنى الكلمة، وسوف ينخفض الاحتياطي الفيدرالي وستقوم الحكومة بالتحفيز، وسيكون هناك ارتفاع آخر في التضخم، حيث أعطت الآمال بأن التضخم في الولايات المتحدة قد بلغ ذروته بالفعل، وسوق سندات الخزانة الأمريكية أفضل بداية لهذا العام منذ عام 2001. بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن يكون عام 2023 أكثر صعوبة من العام السابق وفق ما قالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، لأن الاقتصادات الثلاثة الكبرى -الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين- تتباطأ جميعها في وقت واحد.

لكن وحدها الصين نجحت في مسعاها عندما قام بنك الصين بتدويل اليوان وتحويل بكين إلى مقرض عالمي يلجأ إليه الآخرون كملاذ أخير. مع ذلك، على خلفية الاضطرابات النقدية والمالية والسياسية التي تزعج واشنطن، هناك كلّ الدلائل على أن إزالة الدولرة على وشك أن تتسارع، كما كتب الخبير الاقتصادي في “كريدي سويس” زولتان بوزار في تقريره الصادر في 29 كانون الأول الماضي، متسائلاً عما يجب أن يفعله صانعو السياسة في مجموعة السبع، ومفاوضو التقييم والاستراتيجيون عندما تأتي التهديدات التي يتعرّض لها النظام العالمي أحادي القطب من جميع الجهات.

بالتأكيد لا ينبغي لهم تجاهل التهديدات، لكنهم يفعلون ذلك على أي حال، مضيفاً أنه على مدى جيلين، لم يكن على أحد استبعاد المخاطر الجيوسياسية، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كان الصراع الوحيد بين القوى العظمى الذي كان على المستثمرين التعامل معه هو الحرب الباردة، ومنذ نهاية الحرب الباردة، شهد العالم لحظة أحادية القطب كانت الولايات المتحدة مهيمنة بلا منازع، وكانت العولمة هي النظام الاقتصادي، وكان الدولار هو العملة المختارة.

لكن اليوم، ظهرت الجغرافيا السياسية مرة أخرى لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، حيث بات هناك منافس للنظام العالمي الحالي، ولأول مرة في تاريخها، تواجه الولايات المتحدة معادلة اقتصادية أو، من خلال بعض المقاييس، خصماً متفوقاً. ويضيف بوزار أن الصين تكتب بشكل استباقي مجموعة جديدة من القواعد لأنها تعيد عرض “اللعبة الكبرى”، مما يخلق نوعاً جديداً من العولمة عبر مؤسسات جديدة مثل مبادرة الحزام والطريق، و”بريكس+” و”منظمة شنغهاي للتعاون”.