“عالياً نحو القدس”.. رواية غير توثيقية تطل على ملامح المقاومة
أمينة عباس
بمناسبة الذكرى الثالثة لاستشهاد القائد قاسم سليماني، وبالتعاون بين اتّحاد الكتّاب العرب ودار البحر ومؤسسة “صبا”، احتفى فرع دمشق في اتّحاد الكتّاب العرب مؤخراً بتوقيع رواية “عالياً نحو القدس” للكاتب أيمن الحسن، والتي تتضمن شذرات واسعة من حياة الشهيد قاسم سليماني.
وبيَّن الدكتور محمد الحوراني، رئيسُ اتحاد الكتّاب العرب في كلمة له، أن “عالياً نحو القدس” هي باكورة الأعمال الروائية عن الشهداء الذين ارتقوا في هذه الحرب، والتي ارتأى اتحاد الكتّاب العرب إنجازها لتخليد بطولاتهم بأجناس أدبية مختلفة، مشيراً إلى أن الحديث عن سليماني هو الحديث عن شهداء الجيش العربي السوري وأصدقاء محور المقاومة الذين قاتلوا ضد المشروع الصهيوني، وأن المادة الأساسية في هذه الرواية قُدّمَت بالتعاون مع المستشارية الثقافية الإيرانية وبعض الأصدقاء، وقد وُظّفت بشكل صحيح في إطار رواية كُتِبَت برؤية مبدع، منوهاً بأن كتّاب السيَر يواجهون الكثير من المعضلات، لكن الخطاب الروائي في “عالياً نحو القدس” كُتِب بأدوات الحسّ الروائي، لأنه جعل من اللغة حقلاً واسع التداول. ووجّه الحوراني الشكر لدار البحر ومؤسسة صبا اللتين ساهمتا في أن ترى الرواية النور، منوهاً بأن الجميع يجب أن يتعاونوا في خدمة الأدب الذي يتناول مواضيع مهمة، مذكّراً أن الاتحاد سبق وأن لخَّص بعض بطولات جيشنا وشهدائه في كتاب “حكايات أثيرة” الذي قدّم قصصَ العديد من الأبطال في سورية والذي سيُستكمل بحكايات عن الذين أسهموا بشكل أو بآخر في مقاومة الإرهاب.
وأشار د. إبراهيم زعرور رئيس فرع دمشق لاتّحاد الكتّاب العرب إلى أن سليماني شهيد الإنسانية لأنه استشهد من أجل المقهورين والمهمومين والمظلومين، واستشهاده رسالة للعالم بأن النصر في نهاية الأمر سيبدأ من الفكر.
وبيّن الأديب رياض طبرة عضو المكتب التنفيذي في اتحاد الكتّاب العرب أن الروائي أيمن الحسن أفلح في تحديد مقصده من عنوان الرواية “عالياً نحو القدس”، وسليماني كان عالياً في استشهاده، وقد نقلت الرواية شذرات من سيرته وتطرقت إلى العلاقة الحميمة بين السيد حسن نصر الله وعماد مغنية وقاسم سليماني، وقد أعادته هذه العلاقة إلى الثورة الفلسطينية في أوج كفاحها ونضالها برموزها التي استُشهِدَت، ورأى أنه من الضروري تخليد رموز المقاومة من خلال أجناس أدبية متعدّدة لتكون هدى للأجيال القادمة.
علامة في الأدب المقاوم
وأوضح الناقد أحمد علي هلال أن أيمن الحسن يستكمل في روايته الجديدة مشروعه السيَري حول سيرة المكان والإنسان، وذلك ظهر جلياً في أعماله السابقة مثل “أبعد من نهار”.. “دفاتر الزفتية” و”خطوات الماء السبع” و”طفل البسطة”، ولكنه في روايته “عالياً نحو القدس” يذهب إلى سيرة أخرى هي سيرة الشهيد سليماني بشكل أدبي أقرب إلى الرواية التوثيقية التي تحاكي سيرة إنسان استثنائي، واعتمدت حبكة تخييلية تواشجت مع وقائع دالة، معتمداً آلية سردٍ بصري سينمائي بتقنيات محسوبة ساهمت في تظهير الحدث ضمن شرطين فني وإنساني. وأوضح هلال أن رواية “عالياً نحو القدس” تمثل تعالقاً بين الرواية والسيرة الذاتية، ولاسيما في انفتاحها الدلالي وصوغها المأثرة في معنى المقاومة والأدب المقاوم الذي يتخطى إلى منظومة القيم عبر تخييل روائي يعتمد الذاكرة آلية سردية، ورأى أن هذا العمل السردي لافت على مستوى موضوعه وتقنياته، وعلامة في سبيل الأدب المقاوم فكرة وفكراً وإبداعاً، والرواية تشكل بإيقاعها الأوركسترالي تلك الشذرات الحياتية التي تأتلف بإيقاع المقاومة وتنوعها وعلوها وامتدادها ليكون سليماني ذاكرة أمة وسيرة بطولاتها الجمعية.
حلم تحقق
لم تكن كلمة هالا خليل، مديرة دار البحر للنشر، نقدية لقناعتها بأن الموجودين في الندوة أقدر منها على فعل ذلك، مبينة أن كلمتها نوع من الاحتفاء بمنشور جديد كان لـ “بحر” شرف إصداره وكان حلماً تحقق، مؤكدة أن الرواية لم تفِ سليماني حقه في إنجازاته على أرض الواقع، وهو الذي شكّل اسمُه رعباً في قلوب أعدائه وبلسماً في قلوب محبيه. في حين أوضح الكاتب عمر جمعة من مؤسسة صبا أن الرواية تنتمي إلى أدب الذاكرة، فهي تتوقف عند محطات الشعوب المهمّة والتي توجّت بالمقاومة ومن الضروري طبع مثل هذه الرواية لمواجهة التغلغل الصهيوني وصدّ المدّ الإرهابي وترسيخ قيم الشهادة.
ليست رواية توثيقية
وقبل التوقيع، أكد الكاتب أيمن الحسن أن الرواية جاءت إطلالة على ملامح المقاومة بشكل عام من خلال شخصية سليماني الذي جاءت سيرته عبر وثائق إلى جانب شيء من التخييل وبناء أدبي ودرامي واستعراض للمقاومة الفلسطينية وفي جنوب لبنان، مبيناً أن الرواية أرادت أن تقول إن المقاومة مستمرة وهي التي بدأت منذ الأزل ولا يمكن أن تنتهي، وأن الرواية أدبياً ارتكزت على سيرة سليماني لكنها ليست رواية توثيقية، حيث إن الحوادث فيها حقيقية لكن الكاتب قدّمها بصيغة أدبية، منوهاً بأن إنجاز الرواية استغرق منه سنتين من العمل والبحث، وأبرز الصعوبات التي واجهته كانت أن الشخصية الأساسية معروفة لدى الكثيرين، وبالتالي فإن التخييل في الرواية سيكون له حدود بحيث لا يقدم ما هو غير حقيقي، وقد احتلّ مساحة لا بأس بها في الحديث عن طفولة سليماني وشبابه لعدم وجود مَراجع عن هاتين المرحلتين، لذلك كان لا بد من الخيال الذي يخدم الحالة ولكن دون أن يقع في مطب التوثيق.