فرنسا تنتصر على الموتى الروس
تقرير إخباري:
في خضمّ الأزمات التي تعيشها الحكومة الفرنسية على خلفية مواقفها الكارثية من الأزمة الأوكرانية، وما تبعها من فضائح ليس أقلّها أنها كانت هي والحكومة الألمانية تخادعان روسيا عبر اتفاقية مينسك وتستفيدان من الوقت إلى حين تمكّن النظام الأوكراني من الحرب على روسيا، فضلاً عن مشاركتها في العقوبات الغربية الأحادية الجانب المفروضة على موسكو وما ترتّب عليها من نتائج سلبية على الاقتصاد الفرنسي الذي يعاني مجموعة أزمات مرتبطة مباشرة بهذه العقوبات، لم تجد هذه الحكومة بعد عجزها عن محاربة الروس الأحياء بدّاً من استهداف الموتى الروس عبر وقف التعاون مع الجانب الروسي في مسألة المحافظة على مقبرة سانت جينيفيف دي بوا وترميمها الذي تم بموجب اتفاقية موقعة بين مدينتي موسكو وسانت جينيفيف.
القرار الذي اعتبرته المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا عاراً وفجوراً لا إنسانياً صارخاً، وحرباً ضدّ الموتى، يبدو أنه يحمل في طيّاته فشلاً من نوع آخر لسياسة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي ادّعى في كثير من الأحيان أنه يحافظ على نوع من المرونة في الحوار مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فهل عجز ماكرون عن استخدام هذه المرونة في مسألة إنسانية كهذه، أم أنه بالفعل لم يعُد يجد مناسبة للظهور فيها بصورة المنتصر، سوى أن ينتصر على قبور الموتى في المقابر؟
زاخاروفا تساءلت في قناتها على تلغرام: هل بدأت باريس التي خضعت بخنوع لعقلية القطيع بالحرب ضد الموتى؟، مضيفةً: إن السلطات الفرنسية لا تزال تخشى المخاطرة والتعرّض للمقابر الجماعية لجنود الجيش الأحمر على أراضيها، لأنها تخشى الغضب الجماعي من جانب العاقلين الفرنسيين الذين ما زالوا يعتزون بذكرى المقاومة وديغول، لذلك قرّرت هذه السلطات صبّ جام غضبها على قبور المهاجرين الروس.
وهذا التساؤل يحمل أيضاً نوعاً من التحدّي للحكومة الفرنسية حول نسف القيم الديغولية التي تمجّد مقاومة النازية التي أبداها الروس والفرنسيون معاً في الحرب العالمية الثانية ضدّ النظام النازي الألماني بقيادة أدولف هتلر، وتطرح من طرف خفي إمكانية أن تقوم الحكومة الحالية في مرحلة متقدّمة بالانقلاب على ذلك تبعاً لما يُملى عليها من خلف المحيط من الأوامر، لأنها بالفعل باتت منزوعة الإرادة فيما يخصّ التمييز بين النازية والمقاومة التي يعتدّ بها الشعب الفرنسي، وبالتالي أغرقت في دعم النازيين الجدد في أوكرانيا بشكل يوحي بأنها تريد الانقلاب على الإرث الفرنسي السابق في هذا المجال، هذا فضلاً عن المحاولات الغربية الممنهجة والمستميتة لنزع صفة الانتصار على النازية عن الجيش الأحمر السوفييتي وتزوير النتائج بما يخدم توجهات الغرب.
ورأت زاخاروفا أن فرنسا قد تقوم بهذا التصرّف بالتلميح لكل من قدِم إليها مؤخراً بأنهم سيرتبطون بها بشكل كلي ليس فقط خلال الحياة، بل بعد الموت كذلك.
وفي المحصّلة يبدو أن الرئيس الفرنسي لم يعُد لديه بعد كل الإخفاقات التي وصل إليها من خلال دعم النازيين في أوكرانيا، ما يمكن أن يفتخر به سوى أن يقول إنه انتصر على قبور الموتى الروس لأنه عجز حقيقة عن الانتصار على الأحياء طوال فترة حكمه، وهذا ما يشير صراحة إلى حالة اليأس التي يعيشها النظام الغربي مجتمعاً وليس فقط النظام الفرنسي.
طلال ياسر الزعبي