د. دخل الله في ندوة حول كتاب “مناظرات.. مع الفقيه البغدادي”: الدّين ثقافة إنسانية
نجوى صليبه
أقام اتّحاد الكتّاب العرب ندوةً حول كتاب “دين العقل وفقه الواقع.. مناظرات مع الفقيه السّيد أحمد الحسني البغدادي”، للمفكّر العراقي الدّكتور عبد الحسين شعبان.
وحول أهمية هذا الكتاب قال الدّكتور مهدي دخل الله: نحن في تحوّل كبير، وبالتّأكيد هذه المواضيع أساسية في تطوّر المجتمع، على الرّغم من أنّ همّنا الأساس، اليوم، هو تحرير أراضينا المحتلّة والقضاء على الإرهاب، لكن هذا كلّه يأتي في إطار واحد، والواقع يحتملها مجتمعةً. ونحن في سورية نعمل على أّلّا يتحوّل الدّين إلى أيديولوجية تنفي الآخر، ونعمل لكي يبقى الدّين ثقافةً إنسانيةً للجميع، والدّكتور شعبان يتحدّث من منطلق ثقافوي وواقعي، فالثّقافة شئنا أم أبينا هي في عقولنا جميعاً، ونحن بعد أكثر من عشر سنوات عشناها في حرب لم أقرأ مثلها في تاريخ الحروب كلّها، نسأل أنفسنا: كيف تصدينا لحرب لا يمكن لأي شعب أن يتصدّى لها؟ والجواب هو أنّ الثّقافة الوطنية كانت عاملاً أساسياً في هذا التّصدي، فالإنسان الذي لا ثقافة وطنية عميقة لديه، لن يكون لديه وطن عميق، الثّقافة ليست فقط فكر النّخبة، بل هي طريقة حياة.
لماذا اختار اتّحاد الكتّاب هذا الكتاب؟ سؤال يجيب عنه رئيس الاتّحاد الدّكتور محمد الحوراني بالقول: لدينا مشكلة كبيرة فيما يتعلّق بالدّين والتّدّين والثّقافة والانتماء، ولأنّنا كنّا دائماً نؤمن بأنّ عمقنا العربي هو الأساس، وبضرورة وجود عمل عربي مشترك مهما كانت الصّعاب، وعندما يتكلّم الدّكتور عبد الحسين شعبان بالثّقافة فإنّه يتكلّم بالثّقافة الجامعة وأسسها، وبالعروبة النّقية التي تجمع أبناء الوطن جميعاً حتّى وإن اختلفت انتماءاتهم، وهو يتحدّث عن الأخلاق التي يجب علينا أن نتحلّى بها ونشتغل عليها والتي تنادي فيها جميع الأديان، لكن للأسف هناك الكثير ممّن ترك هذه الأخلاق الأساس وذهبوا باتّجاه الشّعائر فقط.
ويوضّح الدّكتور عبد الحسين شعبان ما يحاول الكتاب الوصول إليه بالقول: أحاول أن أصل إلى حقائق جديدة لا يمكن أن تكتشف إلّا من خلال مناظرات من داخل المؤسّسة الدّينية، لذلك اخترت أحد رجال الدّين المتقدمين وهو فقيه وعالم لتأكيد أنّ الدّين دين العقل والمعرفة وليس الجهل، ودخلت معه في نقاش وحوار واستئناس وجهات نظر، بحثنا في الواقع المتعلّق بالإيمان والعصمة والمعصوم والمرأة ودورها وهل هي ناقصة عقل ودين؟ وما هو موقف الدّين من هذه القضية؟ وهو بحث منهجي هدفه الحصول على الحقيقة، وهذا يختلف بين الإيمان والعلم، فالإيمان مثل الموسيقا يذهب إلى القلب، كذلك الشّعر والقصّة والرّواية والمنحوتة والكلمة، قبل أن تذهب إلى العقل، والدّين يتعلّق بالعواطف والمشاعر وهنا تكمن الخطورة، ومعرفة السّبيل إلى ردّ الاعتبار للنّص الدّيني بحيث يدخل عقلياً وعاطفياً وشعورياً ووجدانياً في الوقت ذاته، لذا لابدّ من بحث جريء في إطار النّقد الفكري لاستشراف مستقبل جديد يقوم على أساس احترام العقل وتكييف حلقة التدّين مع الواقع.
ويضيف شعبان: نوقش الكتاب في منتدى الفكر العربي من قبل نخبة متقدّمة من المفكّرين والباحثين ونوقش في العراق في مدن عدّة: السّليمانية وأربيل وبغداد وسيناقش في الكوفة، ونوقش في السّويد والنّرويج، وسيناقش في شهر آذار القادم في تونس، وهناك دعوات لمناقشة ما أثاره من آراء واجتهادات ووجهات نظر جريئة وعقلانية لا تستفزّ الآخر بل تفتح معه حواراً حقيقياً.
“كتاب موسوعي لمفكّر موسوعي” عنوان القراءة التي قدّمها الدّكتور عمر زين (أمين عام سابق لاتّحاد المحامين العرب، والمنسق العام لشبكة الأمان للسّلم الأهلي لبنان)، وفيها يضع بين أيدينا بعض المواضيع التي ركّز عليها الكتاب، يقول: يحاول المفكّر شعبان أن يضع القضايا الخلافية والانقسامات التي تتردّد على أفواه العامّة والصّراعات الخفية والمعلنة على طاولة البحث ليشبعها نقاشاً مع الفقيه البغدادي، وهو نقاش حرّ ومتكافئ وملتزم بأدب الحوار، لقد طرح إشكاليات الحداثة من أوسع أبوابها، متناولاً الحداثة والتقليد وأهمية الوعي ولاسيّما التّاريخي، ودور الاجتهاد في الإسلام والعلاقة بين الدّيني والعلماني، وتوقف عند شعارات الإسلام دين ودولة وأهمية إصلاح الحقل الدّيني فكراً وخطاباً الذي هو أساس أي إصلاح في أي مجال آخر.
بدوره، بيّن الدّكتور أحمد نزال نائب الأمين العام لاتّحاد الكتّاب اللبنانيين أنّ الكتاب محاولة لإعادة محاكاة النّصوص الدّينيّة كما وردت وإخضاعها وكلّ ما ورد من أفكار على مرّ السّنين للنّقد الذي يتناسب والوضع المعاصر وقضايا الحداثة المطروحة اليوم، وهو رفض للإسقاطات الدّينية على مرّ القرون الطّويلة، ومشاركة في النّقاش والإجابات وإعادة طرح أسئلة جديدة ليكون الماضي انطلاقة لواقع حديث ويجيب عن كلّ قضايا الحداثة المطروحة بالعقل والوعي، بما يشكّل هوية ثقافية جديدة تتماشى مع متطلّبات العصر، ترفض من الماضي الآراء المتحجرة لنخرج بما يفيد المجتمع، وهذا الكتاب واحد من كتب عدّة طُرحت في العالم العربي، وصدر قبل سنتين وكتب عنه الكثير، ولاقى بعض الاهتمام من المفكّرين العرب الذين يرفضون تقديس كلّ الأمور ويحاولون الخروج من القوقعة.
من جهته، أشار الباحث في القضايا الاستراتيجية الدّكتور بسّام أبو عبد الله إلى نقاط استخلصها من مقدمة الكتاب، ويوضّح: ثلاث قضايا مهمّة لابّد من اجتماعها لنحقق التّطور وهي المعلومة والمعرفة والحكمة بحسب الشّاعر البريطاني “إليوت”، وهذه البداية مهمّة جدّاً نظراً لوجود الكثير ممّن يتحدّث في الدّين والسّياسة والاقتصاد والثقافة من دون أن يملك المعلومة أو المعرفة أو الحكمة. وكان لافتاً أنّ الدّكتور شعبان أشار إلى أنّ الحوار مع السّيد البغدادي كان فيه متعة وفائدة وصراحة ووضوح لا غالب ولا مغلوب ولا تسجيل نقاط للفوز، مضيفاً: هناك نقطتان مهمّتان أشار إليهما شعبان في المقدّمات النّظرية للكتاب، الأولى: إفراغ الدّين من إبداعه الدّلالي وواقعيته السّياسية الاجتماعية وتحوّل المتدين إلى مجرّد مؤدّ للطّقوس بعيداً عن المقاصد الحقيقية، والثّانية: حاجة المؤمنين للثّقافة المدنية بهدف احترام الأديان الأخرى والتّنوّع الثّقافي، كما ركّز الكاتب على وجود ترابط بين الوعي بالتّاريخ والاجتهاد، ولا يعني الوعي بالتّاريخ استعادته بل استحضاره وأخذ العبر والدّروس، أمّا النّقطة المركزية التي تعرّض لها فهي عقبات التّجديد ولخّصها بعدم القناعة بالتّجديد والاستكانة لما هو قائم وانخفاض درجة الوعي بأهمية التّجديد والخشية من الانفتاح على الآخر بحجّة الحفاظ على العقيدة ومنع اختلاطها بعقائد أخرى وتعارض التّجديد مع المصالح والامتيازات.
ويبيّن أبو عبد الله أنّ ما يتضمّنه الكتاب يخدم بشكلٍ كبيرٍ ما نعمل عليه في سورية لمواجهة تداعيات الحرب التي قد نحتاج إلى أجيال وأجيال لتنظيف قذاراتها الفكرية.
وبالإضافةً إلى حديثه عن أهمية هذا الكتاب، عاد الدّكتور جورج جبّور الرّئيس الفخري للرّابطة السّورية للأمم المتحدة بذاكرته إلى الصّداقة القديمة التي تجمعه بالدّكتور شعبان، يقول: إنّه صديقي منذ أربعة عقود، فقد جمعتنا دمشق أوّل مرّة عام ألف وتسعمائة وخمسة وثمانين حين تأسّست لجنة دعم القرار 3379 الذي يقول إنّ الصهيونية شكلٌ من أشكال العنصرية، وشرّفني الزّملاء بأن كنت رئيساً للجنة والدّكتور شعبان أميناً عاماً للجنة، وفي الواحد والعشرين من كانون الثّاني من عام ألف وتسعمائة وثلاثة وتسعين انطلقت من دمشق فكرة إلى الأمم المتحدة لتكون وثيقة “حلف الفضول” وثيقة مؤسسة لحقوق الإنسان في العالم، وللأسف لم تتبنَ أي دولة عربية المشروع، لكنّي والدّكتور شعبان سرنا في هذا الطّريق، وفي عام ألفين وسبعة كان هناك إشارة جيّدة لحلف الفضول في البيان الذي أصدرته المفوضية السّامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة.