حرب الوثائق بين الجمهوريين والديمقراطيين
ريا خوري
أعلن البيت الأبيض في بيان رسمي العثور على عدد كبير من الوثائق السرية الخاصة بإدارة الدولة، والأحزاب، والأشخاص، والدول في العالم في منزل الرئيس الأمريكي جو بايدن في ديلاوير، وهذا الكشف يزيد بشكل كبير من حجم الضغوطات على الرئيس الذي أصبح يُقارن بسلفه الرئيس السابق دونالد ترامب. تضمن البيان العثور فقط على خمس صفحات إضافية من الوثائق السرية تعود إلى فترة تولي بايدن منصب نائب الرئيس الأسبق باراك أوباما، والتي تمّ العثور عليها في غرفة مجاورة للمرآب بعد أن زار محامي البيت الأبيض ريتشارد ساوبر المنزل قبل أيام.
معظم المعلومات المتوفرة تؤكد أن محامي البيت الأبيض ريتشارد ساوبر ذهب شخصياً إلى المنزل الفخم الذي يقطنه الرئيس في ويلمنغتون بولاية ديلاوير من أجل الإشراف على إحالة المجموعة الأولى من الوثائق السرية المكتشفة إلى العدالة، كما تمّ الحديث عن مجريات البحث وتمّت مصادرة وثائق ومستندات، ضمن أغلفة مكتوب عليها سريّ للغاية. كما تم العثور على وثائق سرية أخرى في مكتب بايدن السابق في “مركز بن بايدن” للأبحاث في واشنطن، وتمّ تسليمها أيضاً إلى القضاء الذي قام بتعيين وزير العدل ميريك غارلاند مدعياً عاماً مستقلاً للتحقيق في القضية.
نتيجة للإحراج الكبير الذي وقع به جو بايدن، تعهّد فريقه بتصحيح الأخطاء فوراً في حال إثباتها، لكن رغم ذلك فإن هذه القضية البالغة الحساسية بالنسبة للرئيس ربما تمنعه من الترشح لولاية رئاسية ثانية كون هذا الإجراء أدّى إلى وجود مقارنات مع قضية الرئيس السابق الجمهوري دونالد ترامب الذي يخضع لتحقيق مكثف يجريه معه مدّع خاص بتهمة الاحتفاظ وتخزين مئات الوثائق، والمستندات السرية في بيته في مارالاغو في فلوريدا، والتي تؤكد أنّ ترامب كان يعرقل جهود الإدارة لاستعادتها بشكل مناسب.
الجدير بالذكر أنّ قانوناً كان قد صدر عام 1978 يلزم رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، ونوابهم بإحالة جميع رسائل البريد الإلكتروني، والرسائل الورقية، ووثائق العمل المكتبي والإداري إلى الأرشيف الوطني بعد تركهم مناصبهم.
وترى المعارضة الجمهورية، التي أفقدتها الخلافات الداخلية توازنها، فرصة ذهبية للانتقام من الديمقراطيين واستعادة الزخم من جديد، وهي تسعى جاهدة للتحقيق في الموضوع، وخاصة من خلال نفوذها في مجلس النواب برئاسة جيمس كومر، الجمهوري، الذي قال بصوتٍ عالٍ هناك الكثير من الأسئلة والاستفسارات التي تحتاج إلى إجابات من بايدن، والتي كانت بمثابة ردّ للضربة التي تلقاها الرئيس السابق ترامب في قضية مشابهة.
هاتان القضيتان أصبحتا مثار اهتمام العالم أجمع، لأنهما تفرضان بدء حرب جديدة، وبالتالي فرضتا العديد من التساؤلات حول صلاحية كبار مسؤولي الدولة الفيدراليين في أرشفة ونقل الملفات السرية إلى خارج المؤسسات والإدارات الرسمية، إذ أن عملية النقل والتخزين في كلتا الحالتين غير قانونية بحسب الأنظمة والقوانين والتشريعات الأمريكية الناظمة. وحتى إن كان بعض المطلعين على الوثائق يتحدثون عن اختلاف مضمون الوثائق لدى الجانبين ومدى أهميتها وسريتها، إلا أن هناك من يشير إلى أن الوثائق السرية جداً التي حملها الرئيس السابق يتضمن بعضها قضايا حساسة جداً تتعلق بالدفاع والأمن القومي، وبعلاقات الولايات المتحدة مع قوى دولية، وتتجه التحقيقات حولها إلى توجيه تهمة جنائية للرئيس ترامب، في وقت سارع البيت الأبيض إلى التأكيد بأن الوثائق التي تمّت مصادرتها من منزل بايدن لا تتعلق بالأمن القومي، ولا بأي قضايا أمنية أو عسكرية حساسة.
الفارق الوحيد بين القضيتين أن إدارة بايدن سارعت إلى تسليم الوثائق إلى الأرشيف الوطني دون أية ممانعة، وأبدت استعدادها التام للتعاون مع أي تحقيقات في القضية، بينما رفض ترامب تسليم الوثائق التي حملها معه لدى مغادرته البيت الأبيض بعد انتهاء ولايته، واحتاج الأمر إلى إرسال عناصر مدرّبة وخبيرة من مكتب التحقيقات الفيدرالي للحصول عليها، ومصادرتها بالقوة من منزله في مارلاغوا بفلوريدا.
كان منشأ الحرج الكبير الذي وقع به الرئيس بايدن هو أنه طوال الوقت بقي يركز اتهاماته للرئيس السابق ترامب على الجانب الأخلاقي، معتبراً أن خصمه السياسي الرئيسي شخص غير مسؤول أبداً، ونجده اليوم يقع في الورطة نفسها. لكن بغضّ النظر عن تعيين وزارة العدل للتحقيق في وثائق جو بايدن، بعد مدعٍ عام آخر يحقق في الوثائق المصادرة من منزل ترامب، فإن بوادر الحرب الجمهورية– الديمقراطية الساخنة بدأت تلوح في الأفق.
منذ الإعلان عن العثور على وثائق الرئيس جو بايدن، بادر ترامب متسائلاً بنوعٍ من الاستهزاء والسخرية: “متى سيقوم مكتب التحقيقات الفيدرالي بمداهمة منازل بايدن ومكتبه في البيت الأبيض؟”، لتنتقل شرارة هذه الحرب إلى الكونغرس بمجلسيه مجلس النواب ومجلس الشيوخ، في ظل حرص الجمهوريين على استخدام سطوتهم وسلطاتهم الرقابية الجديدة على إدارة الرئيس بايدن.
قد تكون الحرب بين الجانبين بدأت بالفعل، لكن السؤال هو كيف ستنتهي هذه الحرب، وما هي مآلاتها المستقبلية؟.