زيارة بأهداف فاشلة
علي اليوسف
عندما يأتي رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وليام بيرنز، إلى ليبيا، ففي الأمر الكثير من النوايا غير الحسنة، خاصةً أنها زيارة لأهم مسؤول أمريكي منذ أن أصبح بايدن رئيساً للولايات المتحدة. صحيح أن زيارات أجهزة المخابرات الأمريكية السرية لم تنقطع منذ حرب الناتو على “الجماهيرية” – سابقاً – في ليبيا، إلا أن زيارة بيرنز لها أسباب كثيرة، لعل من أهمها وضع خطط مع الحلفاء المحليين على الأرض لتشتيت جهود روسيا وإلهائها عن الملف الأوكراني، وما يدلل على ذلك بيان مستشار وزارة الخارجية ديريك شوليت، الذي سافر إلى صربيا بالتزامن مع زيارة بيرنز.
من المؤكد أن الزيارة جاءت بهدف تثبيت حكومة عبد الحميد دبيبة في طرابلس التي تولت مهامها في شباط 2021، وكلفت بإجراء انتخابات تحت رعاية منتدى الحوار السياسي الليبي المعين من قبل الأمم المتحدة، والذي فشل في تحقيق الاستقرار في البلاد وتنظيم انتخابات وطنية. بمعنى أن مجيء بيرنز المفاجئ، ودون اعلان مسبق، يأتي بالتأكيد على خلفية المخاوف من تغيير المعادلة السياسية في ليبيا لصالح روسيا التي باتت الدولة الوحيدة ذات المصداقية في الملف الليبي، حتى أنه في 13 كانون الثاني الحالي، التقى مبعوثون خاصون للولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة في واشنطن بدعوة من المبعوث الأمريكي إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، لمناقشة تحديد موعد نهائي لإجراء الانتخابات، وإجبار الليبيين على الموافقة على الخطط الغربية.
هذا السيناريو يذكر بالكثير من السيناريوهات المشابهة التي طبقتها الولايات المتحدة على عدد كبير من الدول، وخاصةً تلك التي زعزعت استقرارها، سواء بالحرب المباشرة، أو الحرب بالوكالة. وها هي ليبيا، منذ العام 2011، بدء الهجوم الأمريكي وحلف الناتو عليها، باتت مقسمة مدمرة وغير قادرة على التعافي سياسياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً. وهي اليوم تجد نفسها مرة أخرى أمام حكومتين، لم يتم انتخاب أي منهما أو اختيارهما من قبل الليبيين، بل كلتاهما نتاج للأوامر الأمريكية – الغربية، وللتوجيه الخاطئ من قبل سياسيين غير مستعدين للتخلي عن مناصبهم في السلطة.
في الواقع، إن زيارة بيرينز ليست جديدة في التأسيس لما هو قادم، لأن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية كانت متواجدة في ليبيا قبل أن يوقع الرئيس الأسبق، باراك أوباما، في منتصف آذار 2011، على السماح بالدعم الأمريكي السري للميليشيات المسلحة المناهضة للقذافي، وهو ما أعلنه العميل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية بوب باير، بالقول: “كانت وكالة المخابرات المركزية موجودة في ليبيا لقيادة العمليات العسكرية ضد القذافي”.
لكن الأخطر من ذلك أن من اعتبرتهم وكالة المخابرات المركزية شركاء، في عام 2011، كانوا إرهابيين متطرفين من أتباع تنظيم “القاعدة” الذين تحول بعضهم فيما بعد إلى “داعش”، حتى أن خبير مكافحة الإرهاب جون روسوماندو يقر في كتابه “حيلة الربيع العربي”، كيف استخدم أوباما الارهابيين كشريك للولايات المتحدة في الشرق الأوسط أثناء وبعد ما يسمى “الربيع العربي”، حيث كان قرار إشراك الارهابيين بمثابة تغيير تاريخي في السياسة الخارجية الأمريكية، خلق نموذجاً جديداً في الشرق الأوسط، وأطلق سلسلة من الأحداث التي كانت لها نتائج كارثية.
إذاً.. الزيارة التي قام بها بيرينز على عجل لا تحمل في طياتها سوى تأكيد الدعم للحلفاء الإرهابيين، ومحاولة قطع الطريق على روسيا التي باتت لها الكلمة الفصل في الملف الليبي. وهذا بالطبع لن يتم إلا عن طريق تثبيت الحكومة التي أخرجتها الولايات المتحدة من خلال التآمر مع الأمم المتحدة، وإجبار الليبيين على الموافقة على الخطط الغربية التي يرسمها لهم المبعوث الأمريكي نورلاند.