البيض كلّه على خشبة واحدة..؟!
نجوى صليبه
في تعريفها، ووفق ما يرد في معظم المراجع، فإنّ كلمة سينوغرافيا أو “Scenography” بالإنجليزية من أصل يوناني، وهي أيضاً (Skini-Grafo) وتنقسم إلى مقطعين (Skini) وتعني خشبة المسرح، أمّا (Grafo) فتعني الكتابة أو الوصف، لتكون في النّهاية البيئة المكانية للعرض المسرحي، من منصّات وعناصر منظرية وإضاءة وموسيقا ومؤثّرات خاصّة، وعليه فإنّ البعض يرى أنّ الدّيكور ” “decoration هو جزء من السّينوغرافيا وليس عنصراً خاصّاً أو مستقلاً بذاته كما في زمن مضى، إذ استُخدم المصطلح للدّلالة على زخرفة المسرح، أي هناك مصطلح جديد أزاح قديماً، أو بالأحرى سيطر عليه وضمّه إلى أفراد أسرته، وهذا ما يفسّر صراعاً وقع فترةً من الزّمن بين المصطلحين، تمثّل في إصرار أنصار كلّ مصطلح على ذكره في الـ”بروشور” الإعلاني للعرض المسرحي، وهذا أيضاً حلّ محلّ سابق كان يسمّى “كاتلوك- كاتلوج”، وما يمكننا تأكيده اليوم هو غياب مصطلح “سينوغرافيا” من الـ”بروشور” والاكتفاء بذكر أسرة العمل بالتّفصيل.
إذاً.. السّينوغرافيا عملٌ متكاملٌ لفنّيي الإضاءة والصّوت وخبراء التّجميل ومصمّمي الملابس والأزياء والإكسسوارات ومهندسي الدّيكور وورشات النّجارة والموسيقيين، وتستعين السّينوغرافيا بمجموعة من الفنون الجميلة التي تجعل من العمل عملاً فنياً وأدبياً قائماً على التّأثرية الشّعورية والانطباعية الفنّية والتّذوّق الجمالي، انطلاقاً من روح إبداعية في فهم النّص الدّرامي وتفسيره وخلقه من جديد.
وتذكرُ مراجع مسرحية أنواعا من السّينوغرافيا على مرّ التّاريخ المسرحي، فهناك الكلاسيكية والرّومانسية والتّجريدية والباروكية والسّريالية والعابثة والفانتاستيكية والدّينية والدّرامية، والتّراثية وغيرها الكثير.. طبعاً ولن نضيف جديداً إنْ قلنا إنّ وضع السّينوغرافيا يمرّ بمرحلتين هما: التّخطيط والتّنفيذ، أو إنّ السّينوغرافيا لا تقلّ أهميةً عن عمل المخرج والكاتب والممثّل، كما لن يحدث فرقاً السّؤال عن هذه الشّراكة، لكن من حقّ أي متفرّج أن يسأل: “لماذا نضع البيض كلّه في سلّة واحدة”؟ أي لماذا نفرد على خشبة المسرح كل تلك الأنواع، فتضيع الفكرة ونضيع معها؟ مع العلم أنّ جلّ تركيزنا على الممثّل ذاته وحواره ولغته وحضوره وانفعالاته وقدرته على إقناعنا بأدائه وانسجامه مع المجموعة. ما فائدة ظهور مفاجئ لفتاة تؤدّي أغنيةً حزينةً بعد عبارة قالها بطل العرض أو بطلته؟ لماذا يصرّ البعض على الاستعانة بصوت الرّصاص بعد أن يكون قد قال الممثل إنّ الإرهاب قتل فلاناً واقتحم المنطقة الفلانية؟ لماذا نحضر عروضاً تعتمد بكاملها على الممثل فقط وتخلو من أي عنصر من العناصر السّابقة، وعلى الرّغم من ذلك تبقى راسخةً في الذّاكرة السّمعية والبصرية والفكرية؟
أذكر هنا “لقمة عيش” العرض الذي قدّمته فرقة “الدّن” العمانية، العام الفائت، على مسرح الحمراء في دمشق، هذه الأسئلة غالباً ما يطرحها متفرّجون بصوتٍ يصل إلى مسامعنا أثناء هكذا عروض وفور انتهائها.. وكما أنّ السّؤال حقّ مشروع للمتفرّج، فإنّ الحصول على جواب حقيقي وشفاف وأكاديمي وبسيط، في آن معاً، حقّ للمتفرّج سواء أكان مسرحياً أم أكاديمياً أو هاوياً، وسواء أكان مهتماً بالمسرح أم متفرجاً جاءت فيه المصادفة والفضول، لكن للأسف تبقى هذه الأسئلة والآراء بعيدة عن أصحاب الشّأن والعرض كما العادة لأسباب عدّة، منها ضيق الوقت بعد انتهاء العرض، والذي لا يسمح إلّا بالتّهنئة والشّكر والمباركات السّريعة والتقاط الصّور، ووجود من لا يجرؤ على قول ما يجول في خاطره لأصحاب العلاقة، فيبوح لرفيق دربه إلى هذا العرض فقط، طمعاً بالموافقة على نصّ مسرحي مستقبلي سيقدّمه، ولا ننسى وجود قلّة قليلة تطمح إلى دخول هذا الوسط من باب الكتابة، فلا تفضّل أن تبدأ خطواتها الأولى إلّا بالإطراء والمجاملات.. طبعاً ولن نغفل أنّ هناك من يحبّذ ويفضّل الرّؤية البصرية على الفكرية ويستمتع فيها، وأنّ هناك من يشتغل على المسرح كفرجة ويقدّم عرضاً جميلاً ومميزاً، ولا نشعر بأنّ عنصراً من عناصره زائداً لا عمل له.
السّؤال الآخر المشروع لنا جميعاً، أما آن الأوان لأنْ ننظر إلى المسرح بطريقة مختلفة، متفرّجين وصنّاع قرار؟ فما المانع من الإعلان – ومنذ البداية – عن ندوة نقاش وحوار في اليوم الأخير للعرض، تجيب خلالها أسرة العمل عن أسئلة الحضور ومداخلاتهم واستفساراتهم أسوةً بالفعّاليات الأدبية والنّوادي السّينمائية التي تلاقي حضوراً جيّداً من الدّارسين والأكاديميين والإعلاميين والمهتمين والمتابعين للسّينما؟ وأسوةً ببعض البرامج التّلفزيونية والإذاعية التي تقام بعد العرض؟!