عقوبات أم حرب إبادة؟
طلال ياسر الزعبي
يدرك المراقب لـ”برنامج” العقوبات القسرية الأحادية الجانب التي فرضتها الإدارة الأمريكية على الشعب السوري، أنها تستهدف بالدرجة الأولى أساسيات حياة هذا الشعب من غذاء ودواء ونقل وكهرباء وطاقة وصناعة وزراعة، بمعنى أنها تعمل على نسف جميع مقوّمات العيش، وبالتالي تصبح موجّهة بالدرجة الأولى نحو هذا الشعب.
وأن تبلغ هذه العقوبات حدّاً من الهمجية بحيث باتت المعيق الرئيسي لتعافي سورية من الحرب، فهي تدخل إلى مفاصل حياة الشعب وتمنعه من ممارسة حياته الطبيعية بشكل مباشر، وتفرض عليه نمطاً آخر من الحياة، هذا إنما يرقى إلى مستوى جريمة حرب أو جريمة بحق الإنسانية.
وربّما كان عجز الإدارة الأمريكية عن إخضاع الشعب السوري لإرادتها في تغيير المواقف السورية القائمة على التمسّك بالحقوق ورفض التبعية والاستغلال، والأهم من ذلك التطبيع مع الكيان الغاصب والاعتراف به، هو السبب الذي دفعها إلى تطوير هذه العقوبات بشكل همجي لم تعرف له البشرية مثيلاً، حتى إن هذه العقوبات يمكن أن تُسجّل على أنها أبشع عقوبات عرفتها الإنسانية.
هذه العقوبات الظالمة دفعت العديد من الدول والمنظمات المحبة للحرية والسلام إلى رفضها والتنديد بها وإطلاق الحملات التضامنية مع سورية مطالبة برفعها فورياً، فهي تستنزف قدرة ملايين السوريين على العيش بكرامة في ظل صعوبات تأمين أبسط مستلزمات العيش، وهو الغذاء، رغم أن سورية من أكثر دول العالم قدرة على تأمين احتياجاتها الغذائية، ولكن استهداف القطاع الزراعي من خلال منع مستلزماته خلق أزماتٍ كبيرة تخطّط الولايات المتحدة والغرب لتحويلها إلى أداة تجويع ترقى إلى مستوى حرب إبادة. والاحتلال الأمريكي لمنطقة الجزيرة السورية وسرقة النفط والقمح السوريين هما الوسيلة الأساسية التي تستخدمها الإدارة الأمريكية للشروع بحرب الإبادة هذه.
ورغم تصاعد الانتقادات الدولية لهذه الإجراءات القسرية بحق الشعب السوري، وخاصة من روسيا والصين، ومن المقرّرة الأممية الخاصة المعنية بآثار العقوبات الأحادية الجانب على حقوق الإنسان إلينا دوهان، التي وصفت هذه الإجراءات بشكل صريح في تقريرها الخاص بسورية بأنها جريمة ضد الإنسانية، تصرّ الإدارة الأمريكية على اجتراح المزيد من العقوبات بالتوازي مع السطو المسلّح الذي تمارسه على الثروات السورية في الجزيرة بتغطية من عملائها في ميليشيا “قسد”.. وبالتالي لابدّ من إجبار الولايات المتحدة والدول التي تسير في فلكها على رفع هذه العقوبات الظالمة ومحاسبتها على جرائمها المرتكبة بحق الشعب السوري، لأن الأمر بلغ من الفظاعة ما أذهل الكثير من الدول، حيث عبّر المتحدث باسم الخارجية الصينية عن ذهوله من مستوى الفظاعة الذي بلغه الجشع الأمريكي في سرقة موارد الدولة السورية من النفط والقمح، في الوقت الذي يعاني فيه الشعب السوري من انعدام هاتين المادتين، مؤكداً أن الشعب السوري والمجتمع الدولي يريدان الإجابة.