المشكلة في التوقيت!
غسان فطوم
لم يعد مستغرباً ما يصدر من قرارات أقلّ ما يُقال عنها إنها ارتجالية وقاسية وغير مدروسة تغيب عنها الدراية بواقع الحال، كونها تعسّر حياة المواطن ولا تيسر أمره، ليصح القول “هالخد تعود عاللطم”. وما حدث بالأمس من تحرير للأسعار وغلاء الدواء ما هو إلا دليل قاطع، فقد جاء ذلك في توقيت غير مناسب يلفظ فيه “الراتب” أنفاسه الأخيرة في أول أربعة أيام من الشهر إن لم نقل في اليوم الأول. وبحسب أهل الاقتصاد فإن ما حصل سيرفع الأسعار إلى مستويات مخيفة ستعمّق الفجوة الكبيرة بين المتطلبات والرواتب والأجور الهزيلة!
للأسف، ما يُتخذ من قرارات وإجراءات يدفعنا للاعتقاد بأن المواطن بات آخر همّ الحكومة، وما هو إلا حقل تجارب! فالمنطق الاقتصادي يقول إن تحرير الأسعار ورفع سعر أي مادة في ظلّ الظرف الحالي إجراء غير مناسب وغير موفق، وما نحتاجه أولاً هو بنية تحتية للربط الإلكتروني، فنظام الفوترة يتطلّب ذلك، وهو غير متوفر حالياً، وثانياً فتح باب الاستيراد لمن يريد من أجل فتح آفاق المنافسة أمام الجميع، بمعنى إلغاء احتكار الاستيراد وحصره بأسماء محدّدة، وبالتالي سيكثر العرض وتنخفض الأسعار، وثالثاً، تحسين الوضع المعيشي للمواطن بما يتناسب أو يجاري التضخم الحاصل كي لا تتآكل القيمة الشرائية لليرة المنهكة بالأساس من جنون الأسعار حتى ما قبل تحريرها، فارتفاع الأسعار والتضخم عدوان لدودان للقوة الشرائية، وهما السبب في إفقار الناس أمام غياب حلول ضبط الأسعار حتى لو كانت الرواتب عالية.
بالمختصر، إن كان تحرير الأسعار إجراء لا بدّ منه لمراعاة المتغيّرات الكبيرة والمتسارعة فيما يتعلق بارتفاع تكاليف الإنتاج ومستلزمات الطاقة من محروقات وكهرباء، بحسب ما تقول وزارة “حماية المستهلك”، نعتقد أنه كان الأجدى بهذا التوقيت والظرف الصعب أن تعمل الحكومة على ضبط الأسعار، ودعم المنتج الزراعي والحيواني والصناعي، ودعم المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر بمنح قروض دون شروط تعجيزية، طبعاً مع التأكيد على تحسين الرواتب والأجور، فذلك لو حصل سيدعم القدرة الشرائية ويساهم في خفض الأسعار بشكل تدريجي، وسيضمن استمرار تدفق المواد من المنتج المحلي إضافة للمستورد وبأسعار مناسبة لجيوب المستهلكين، وغير ذلك سيكون للقرارات مفعول كارثي!.