اليابان تتجاوز حدود ما يسمى بـ “الدفاع السلمي”
هناء شروف
أكدت اليابان في بيان مشترك مع الولايات المتحدة على مكانتها كسلاح مأجور للاستراتيجية الجيوسياسية للولايات المتحدة. وتشير لهجة البيان بقوة إلى أن الولايات المتحدة أعطت إشارة إلى اليابان لتوسيع قدراتها العسكرية، كما هو موضح في الوثائق الأمنية والدفاعية الثلاث التي أصدرتها الحكومة اليابانية، في كانون أول الماضي والتي تتجاوز حدود ما يسمى بـ “الدفاع السلمي”.
وتنتهز اليابان بمكر فرصة تغيير دورها كدرع للعبة الجيوسياسية الأمريكية إلى دور الرمح وحتى رأس الحربة، كذريعة لإعادة التسلح، الأمر الذي سيرسل القشعريرة لبلدان شرق آسيا.
المفارقة هي أن التوسع العسكري الياباني بمساعدة الولايات المتحدة هو إجراء لا يتوافق مع النظام القائم على القواعد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، والذي يدعي كلا البلدين أنه يدعمه، خاصةً أن العالم بأسره لطالما أجمع على عدم السماح لليابان بالتحول مرة ثانية إلى قوة عسكرية، وهو ما كان أساساً مهماً للسلام في شرق آسيا والعالم بأسره.
ومع ذلك فإن القوى السياسية اليمينية في اليابان تحاول منذ فترة طويلة القيام بذلك، ويكمن وراء رغبة اليابان في العمل كبيدق للولايات المتحدة، طموحها باستعادة مكانتها كقوة عسكرية إقليمية، بالتزامن مع حاجة الولايات المتحدة إلى إيجاد وكيل إقليمي للعمل نيابة عنها.
ولكن طموحات القوى اليمينية في اليابان تتجاوز ذلك، وفي هذه النقطة يكمن مصدر عدم استقرار شرق آسيا والعالم بأسره، أي صعود القوة العسكرية اليابانية.
لقد وصل الإنفاق الدفاعي لليابان، في عام 2021، إلى 50.69 مليار دولار، وفقاً لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، بزيادة قدرها 647 مليون دولار عن عام 2020. وقد تجاوز الإنفاق بالفعل الحد الأقصى البالغ 1 في المائة الذي حدده ما يسمى بـ “الدستور السلمي” لليابان. وتحتل قوة الدفاع الذاتي البحرية اليابانية المرتبة الرابعة في العالم، ولديها أكثر من 150 سفينة تتجاوز حمولتها 550 ألف طن أي أكثر من تلك الموجودة في المملكة المتحدة وفرنسا.
علاوة على ذلك، وفي 11 كانون الثاني الجاري، وقع رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا اتفاقية دفاع مع نظيره البريطاني ريشي سوناك في لندن تسمح للبلدين بنشر قوات على أرض بعضهما البعض، وهي خطوة تذكر العالم بتحالفهما في عام 1902.
يميل التاريخ دائماً إلى تكرار نفسه، إذ بعد سبعة وسبعين عاماً من استسلامها غير المشروط كقوة فاشية، لا تكتسب اليابان فقط القدرة العسكرية كما فعلت قبل الحرب العالمية الثانية، بل تقوم أيضاً بترتيبات مع القوى الغربية التي حاولت تهدئتها في الثلاثينيات.
ومنذ أن أعلنت طوكيو العام الماضي أنها ستزيد الإنفاق الدفاعي إلى 2 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي على مدى خمس سنوات، كانت تسعى بقوة لتوسيع شراكاتها العسكرية، وتمثل الزيارات المستمرة لرئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا إلى خمسة من دول مجموعة السبع تصعيداً قوياً لهذه المساعي.
ومع تبني اليابان لإستراتيجية جديدة للأمن القومي، من المتوقع أن ينتهز الجانبان الفرصة لإعادة التفكير وتحديث هيكل وآليات التحالف ليعكس ويسهل ذلك جهود الولايات المتحدة لتهيئة مسرح للحرب في المنطقة، وهو ما كشفه قائد القوات البحرية الأمريكية في اليابان بالفعل.
على مر السنين، بقيت منطقة آسيا والمحيط الهادئ معاً كعائلة واحدة كبيرة، ونزعت فتيل المخاطر، وتغلبت على التحديات من خلال تضامنها، وهذا ما مكّنها من تحقيق معجزة آسيا والمحيط الهادئ. ومع استمرار أهمية ومكانة منطقة آسيا والمحيط الهادئ في النمو، فإن الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة مصممة على أن تعمل المنطقة على دعم مكانتها بدلاً من التقدم إلى مركز المسرح العالمي على قدميها.
إذا فشلت الولايات المتحدة في استيعاب دروس التاريخ، وانغمست في النزعة العسكرية لليمينيين في اليابان، فسوف تجلب المأساة للمنطقة بأكملها وما وراءها. لذلك يجب على واشنطن أن تدرك أن طموحات طوكيو المشتعلة تعني أنها لن تكون راضية بأي حال من الأحوال عن لعب واشنطن دور القائد.