المياه وجه آخر لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي
سمر سامي السمارة
في كانون الأول الماضي أصدرت منظمة حقوق الإنسان الفلسطينية “الحق”، تقريراً اتهمت فيه الشركات الكبرى بالمحافظة على نظام الفصل العنصري المائي الذي تمارسه السلطات الإسرائيلية بشكل ممنهج، وحرمان الفلسطينيين من الوصول إلى المياه، ما يرسخ نظاماً من السيطرة والقمع العنصريين بحق الشعب الفلسطيني بأكمله.
وبحسب المنظمة، تلعب الشركات دوراً أساسياً في مساعدة سلطات الاحتلال الصهيوني لفرض سيطرتها على جميع مناحي الوصول إلى المياه من خلال سلسلة من القوانين، والإجراءات القائمة على التمييز، وعزل وصول الفلسطينيين إلى مصادر المياه الطبيعية، فضلاً عن تدمير البنية التحتية التي تمد الفلسطينيين بالمياه.
كما يشير التقرير إلى أن الشركات الإسرائيلية والدولية على حد سواء تتواطأ في انتهاك حق الفلسطينيين في تقرير المصير، والسيادة الدائمة على الموارد الطبيعية، بالإضافة إلى ارتكابها جريمة حرب متمثلة في النهب والأعمال اللا إنسانية لمصادرة الموارد الطبيعية التي ترقى إلى جريمة الفصل العنصري.
كما قدم التقرير تفاصيل الإجراءات التي اتخذتها شركات المياه الإسرائيلية مثل “ميكورت” و”جيحون”، بالإضافة إلى شركات خارجية مثل شركة “موتورلا”، و”جنرال ميلز”، و”ترب ادفايزر”، و”بوكينغ هولدينغ”، و”أكسبديا غروب”، و”إير بي إن بي”، وأربع شركات هولندية: “تاهال غروب إنترناشونال، وبوكينغ. كوم، والتيس يوروب، وكارادان”، وثلاث شركات بريطانية: “غرين كوتي، وأبو دو، وجي سي بي”، إضافة لشركتين فرنسيتين وشركة تايلاندية.
الشركات الدولية متواطئة في الفصل العنصري
بشكل عام، تنخرط أنشطة الشركات الدولية في نظام الفصل العنصري المائي في هدم مرافق المياه الفلسطينية الرئيسية مثل صهاريج تجميع المياه وخطوط الأنابيب والآبار. ووفقاً للبحوث التي قدمتها المنظمة، فقد نفذت شركة “هيونداي” منذ عام 2017 لغاية شهر آب 2021 ما يقرب من 24 عملية هدم لمعدات المياه الفلسطينية، وكانت “جي سي بي” مسؤولة عن 16 عملية، كما هدمت “فولفو” 14 مبنى، ونفّذت شركة “كاتربيلر” سبع عمليات هدم.
وجدير بالذكر أن، “هيونداي” وهي شركة كورية جنوبية متعددة الجنسيات، غالباً ما تستخدم حفاراتها في هدم المنازل، بالإضافة إلى تجريف معدات المياه، كما تضطلع شركة “كاتربيلر” الأمريكية بدور كبير في عمليات الهدم، والاتفاقيات العسكرية، وبناء المستوطنات، وجدار الفصل العنصري. ومن بين المساهمين الرئيسيين أيضاً شركة “بلاك روك” الأمريكية الاستثمارية التي غذت مخاطر تغير المناخ، وشركات التأمين والخدمات المالية “ستست فارم”.
كما ساعدت شركة “جي سي بي” البريطانية لتصنيع معدات البناء والزراعة، في تمويل حملة رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون. في المقابل، روج جونسون لمنتجات الشركة خلال الحملة الانتخابية.
ومن بين الشركات الأخرى المشاركة في تدمير البنية التحتية للمياه شركة “هيدروميك” التركية وشركة “دايو” للهندسة والإنشاءات الكورية، وشركة “هاردن ني في” الهولندية المتخصصة في العقارات والبنية التحتية المائية، والتي تمتلك أكثر من 98٪ من مجموعة “تاهال” الدولية، التي شاركت في مشاريع تطوير المياه في المستوطنات الإسرائيلية، وجهود الاستخراج المفرط للحد من فرص توافر المياه للفلسطينيين، وساعدت في تطبيق نظام التصاريح لتطوير الآبار في المجتمعات الفلسطينية.
وأشارت المنظمة إلى أن معظم عمليات الهدم تمت لأن المباني تفتقر إلى التراخيص، أو لأنها تقع على الأراضي الفلسطينية التي صادرها الكيان الصهيوني بدعوى عدم زراعتها بعد عدة سنوات. وغالباً ما تفتقر معظم المباني الفلسطينية في المنطقة (ج) من الضفة الغربية، الخاضعة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية، إلى التراخيص المناسبة لأن سلطات الاحتلال ترفض إعطاء تصاريح الفلسطينيين على أساس أن هذه المناطق غير مخصصة للبناء. ومع ذلك، غالباً ما يرفض المسؤولون الإسرائيليون خطط تقسيم المناطق في المنطقة ج.
وأضافت المنظمة، واصفةً تأثير عمليات الهدم هذه على الزراعة الفلسطينية واقتصاد الفلسطينيين العام، أن هذا جزء من إستراتيجية أوسع للتضييق على المزارعين الفلسطينيين لوقف أنشطتهم الزراعية، فبدون المعدات المناسبة، لا يستطيع المزارعون الفلسطينيون ري أراضيهم، وبالتالي لا يستطيعون زراعة المحاصيل.
و”بحسب تقديرات البنك الدولي، يتم ري 61000 فدان فقط، من أصل 175000 فدان من الأراضي الصالحة للري في الضفة الغربية وقطاع غزة، ما يكلف الاقتصاد الفلسطيني ما يصل إلى 410.70 مليون دولار.
ونظراً لأن الإمداد غير المحدود بالمياه للمستوطنات الإسرائيلية يساهم في توسعها وإطالة أمد الاحتلال، فإن مؤسسات، مثل “ميكوروت وجيهون”، ومجموعة “تاهال الدولية”، وشركة الشرق الأوسط للأنابيب “بي غاون هولدنغز”، و”ميهادرين”، و”مينراف بروجكتس”، و”ديفيد أكرستين” المحدودة، و”إيناف آيتس”، جميعها متواطئة في نقل الإسرائيليين إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة والقدس الشرقية، وبالتالي فإنها تعمل في انتهاك صارخ للمادتين 43 و 49 من اتفاقية جنيف الرابعة .
على الرغم من أن العديد من الشركات الدولية المشاركة في الفصل العنصري المائي في إسرائيل تتفاخر بسياسات حقوق الإنسان على موقعها على الإنترنت، بما في ذلك “فولفو، وكاتربيلر، ودايو، وهيونداي” فإنها ترتكب جرائم حرب للمساعدة في تدمير ومصادرة البنية التحتية للمياه الفلسطينية.
وقالت كاثرين رافي، الباحثة القانونية في مجال الأعمال التجارية، وحقوق الإنسان في منظمة “الحق”، إن المنظمة سلطت الضوء على كيفية تعارض هذه الشركات مع إرشادات حقوق الإنسان الخاصة بها في رسائلها الموجهة إلى الشركات.
قضية تغير المناخ
وعلى الرغم من مزاعم “إسرائيل” بأنها واعية بيئياً، فإن الفصل العنصري المائي الذي تفرضه على الفلسطينيين يساهم في الواقع في تغير المناخ. وقالت رافي: “ترتبط مشكلة المياه بالعديد من الأشياء الأخرى، مثل البيئة والاقتصاد، حيث تسيطر إسرائيل على 85٪ من موارد المياه في الضفة الغربية، لذا فإن سيطرتها على قطاع المياه في الضفة الغربية تقلل من قدرة الفلسطينيين على التكيف مع تغير المناخ. فالأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للمياه في غزة والضفة الغربية – سواء من خلال الحرب أو الهدم المباشر – تقلل من قدرة الفلسطينيين على التعامل مع هطول الأمطار الغزيرة أو الاستعداد للجفاف وموجات الحرارة”.
وأوضحت رافي أن تنوع النظام البيئي يتعطل أيضاً عندما يُمنع الفلسطينيون من جني مختلف الفواكه والخضروات بسبب نقص المياه، وتحدث مشاكل تآكل التربة عندما يُحرم الفلسطينيون من الحصول على تصاريح لإصلاح أنابيب المياه المتسربة.
في نهاية المطاف، تؤدي هذه القضايا إلى بقاء الأرض غير مزروعة، وبدون الموارد اللازمة لتزدهر المجتمعات، وبذلك تجرد الفلسطينيين من سيادتهم، حيث أصبحت الكثير من المجتمعات الفلسطينية غير قادرة على زراعة المحاصيل التي اعتادت على زراعتها، وهذا يمنعهم أيضاً من جني الأرباح من الأعمال الزراعية التي اعتادوا العيش عليها.