العقوبات الأمريكية والغربية.. وتداعياتها الخطيرة
ريا خوري
لم تتوقف الولايات المتحدة الأمريكية عن فرض هيمنتها وسيطرتها على العالم، مستخدمةً أسلوب الضغط القسري على دول العالم التي لا تدور في فلكها، عبر أسلوب العصا والجزرة تارة، أو دبلوماسية المدفع تارة أخرى، ونظام العقوبات بكل أشكاله الاقتصادية والسياسية والمالية والعسكرية.
كل ذلك يتم خارج إطار الشرعية الدولية وهيئة الأمم المتحدة، حيث تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أن قوانينها وتشريعاتها لها صفة كونية مطلقة طالما هي تمتلك القوة العسكرية والاقتصادية، على الرغم من أن المادتين ٤٩ و٤١ من ميثاق الأمم المتحدة تمثلان الإطار القانوني والتشريعي الوحيد الذي تستند إليه هيئة الأمم المتحدة تحديداً في فرض عقوبات سياسية أو اقتصادية على دول معينة.
الولايات المتحدة الأمريكية كعادتها تبرر عقوباتها إما بدعم محاربة الإرهاب، وهي من أساليب الخداع من أجل الابتزاز، وإما لامتلاك أسلحة دمار شامل وهي من أكثر الأساليب اللا أخلاقية واللا إنسانية والبعيدة عن النظم السياسية، وإما لانتهاج سياسات معادية وفرض الأعداء، وإما لانتهاك حقوق الإنسان، وإما أداة ضغط بشعة ترهيبية للحصول على الموارد والطاقات والثروات مثل احتياطات النفط الفنزويلية، وكلها تبريرات واهية لإرغام الدول المستهدفة على تعديل سياساتها وتوجهاتها.
لقد تعرضت العديد من دول العالم للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية عليها، منها مازال مستمراً منذ أكثر من ستين عاماً مثل كوبا، ومنها ما تم فرضه خلال عشرات السنين القليلة الماضية، كما هو حال العراق والسودان وليبيا وإيران وكوريا الديمقراطية وسورية والصين وجمهورية روسيا الاتحادية وبيلاروسيا وفنزويلا، حيث تؤكد معظم الدراسات والأبحاث التي أجريت من جانب أكثر من جهات غربية، ومن جانب عدد من الخبراء والكتّاب أن هذه العقوبات لم تحقق أهدافها المرسومة في تغيير سياسات الدول والحكومات، أو في تغيير الأنظمة، بل إن المتضرر الأكبر هي شعوب تلك الدول التي تعاني تداعيات العقوبات الخطيرة.
في حقيقة الأمر، إن العقوبات الاقتصادية بحق بلد تنطوي على آثار سلبية وخطيرة جداً على الحياة الفردية والجماعية من شتى النواحي، فهي تحطم جميع القدرات والإمكانيات المادية والاقتصادية والاجتماعية، وتعطل التنمية وتوقف تطورها، فالعقوبات بشكلٍ عام توسّع مساحة الفقر والحرمان والجوع والأمراض وتفشي الأميّة، كما تزيد من نسبة الوفيات، كما حصل في العراق إبان الحصار الأمريكي الغربي الجائر على الشعب العراقي والذي أدى إلى وفاة أكثر من مليون عراقي، معظمهم من الأطفال جراء الأمراض ونقص الأدوية والحليب والمواد الغذائية.
ولعل آخر مثال على ذلك هو العقوبات الغربية على روسيا والتي أدت إلى أزمات اقتصادية في معظم دول العالم، وتحديداً في الدول الفقيرة بسبب نقص إمدادات الحبوب، والحصار الذي فرضه الغرب على السفن المحملة بالحبوب والزيوت، إضافة لما تشهده الدول الأوروبية الغربية من أزمات حادّة في الطاقة من غاز ونفط وكهرباء أدّت إلى ارتفاع معدلات التضخم بشكل غير مسبوق، وما يرافق ذلك من حراك شعبي عارم مناهض للحرب والعقوبات الجائرة.