“على وشك الحياة”.. سيرة وطن في فترة الحرب
أمينة عباس
بعد تقديمه لمونودراما “على وشك الحياة” (نص محمد أنمار حجازي تمثيل محمد الشيخ)، والتي استضافتها مؤخراً مديرية المسارح والموسيقا في دمشق بمناسبة اليوم العربي للمسرح على خشبة مسرح القباني، بيَّن مخرج العمل محمد مروان إدلبي، مسؤول المسرح في اتحاد عمال حلب، أنه سبق وقدمت هذه المونودراما بمناسبة تحرير حلب، نهاية عام 2016، وكذلك في مهرجان المونودراما في حماة خلال الشهر السابع 2022، ونالت حينها الجائزة الأولى.
شكل مسرحي صعب
وأشار إدلبي في حوار مع “البعث” إلى أنه خاض من خلال هذه المونودراما تجربته الأولى في إخراج هذا النوع من المسرح بعد عدة أعمال سبق أن قدمها كممثل، مؤكداً أن المونودراما شكل مسرحي صعب لأنه يعتمد على ممثل واحد مهمته إيصال الموضوع المطروح ورسائله إلى الجمهور دون ملل، وهي تحتاج إلى ممثل يمتلك أدواته بقوة، ومن الضروري لنجاحها وجود انسجام بين فريق العمل من مخرج وممثل وكاتب والذي يجب أن يكون مؤمناً بما سيقدمه، وهذه الشروط كانت متوفرة بينه وبين الممثل د. محمد الشيخ والكاتب محمد أنمار حجازي، وقد تجلى ذلك انسجاما على خشبة المسرح.
مغامرة
وأوضح إدلبي أن المخرج في العادة يختار النص الذي يريد أن يقدّمه، ولكن في هذا العمل قام الكاتب باختياره مخرجاً لنصّه، ومحمد الشيخ ممثلاً، مشيراً إلى أنهم بالأساس أصدقاء يجمعهم روح وفكر واحد رغم تفاوت أعمارهم، والصراحة هي عنوان هذه الصداقة، لذلك حرص على الاستماع لآرائهما لأنهما لا يجاملان، مبيناً أن النص قوي بمفرداته وفيه الكثير بين سطوره، ما احتاج منه إلى جهد مضاعف لإيصال فكرته، خاصةً وأن هذا العمل قُدّم من خلال اتّحاد عمال حلب للطبقة العاملة، ولم يخفِ إدلبي أن تقديمه لهذه المونودراما لهذه الطبقة كان بمثابة مغامرة لأن الجمهور كان غير مستوعب لتقديم عمل مسرحي من شخصية واحدة، لكن عندما تجرأ وقدمها أسعده تفاعلهم معها بشكل كبير، منوهاً بأنه يبحث دائماً عن نصوص قريبة من إحساس وفكر المشاهد بمختلف مستوياته، وأن تقديم المونودراما يقوم على تحدّ كبير لأن هدفه الوصول إلى الجمهور العادي.
لا هروب من الواقع
وبيّن إدلبي أن تجاربه في المسرح عديدة، والعمل الأهم في حياته كممثل كان من إخراج محمد الشيخ، وأسعده كثيراً أن يتمّ اختياره مخرجاً لعمل يكون الشيخ ممثلاً فيه، مشيراً إلى أن للشيخ عدة تجارب مسرحية في مجال التأليف والتمثيل والإخراج، وأن المونودراما لم تكن خياراً عن إصرار وإنما النص هو الذي حرّضه على خوض التجربة كمخرج، وحاول الابتعاد عن المباشرة قدر الإمكان، وهي وإن كانت سيرة ذاتية للشيخ إلا أنها سيرة لوطن في فترة الحرب، وفيها استحضار لشخصيات تاريخية دموية كجمال باشا السفاح وهتلر، وكذلك لشخصيات ثورية مثل جيفارا، وصولاً للحديث عن الأب المفجوع باستشهاد ولديه، ومن ثم ولادة الحفيد تزامناً مع تحرير حلب، ولم يتردّد إدلبي في الإشارة إلى أن الجمهور ليس متعطشاً لرؤية ما عشناه خلال فترة الحرب على الخشبة، ولكن لا مهرب من هذا الواقع الذي يجب تسليط الضوء عليه ليتمّ تجاوزه.
سيرة ذاتية
وأشار د. محمد الشيخ إلى أنه اعتاد على تقديم أعمال مسرحية مونودرامية كان فيها ممثلاً ومخرجاً وأحياناً مؤلفاً بآن واحد، وهذه هي المرة الأولى التي يقف فيها على خشبة المسرح ممثلاً فقط، وأن هذه المونودراما تسجيل لمعاناته الشخصية أثناء الحرب، حيث استشهد ولداه، لذلك أكد أنه على خشبة المسرح لم يشعر بالغربة كما لم يستطع أن يفصل ذاته عن الشخصية، وقد كان ملتحماً بها إلى أقصى درجات الانفعال العاطفي، فأصعب أنواع الأداء في التمثيل هو عندما يؤدي الممثل ذاته: “أستطيع أن أقلد كل الناس ولكن لا أستطيع أن أقلد نفسي”، منوهاً بأن وجود مخرج للمونودراما أمر غاية في الأهمية لأن ممثل المونودراما يحتاج إلى عين تراقبه وتوجّهه وتضبط انفعالاته، وهذا ما كان يفتقد إليه في المونودرامات التي قدمها كممثل ومخرج بآن واحد نظراً للظروف المحيطة بالممثلين والمخرجين والتي تجعلهم مرتبطين بعدة أعمال تحول دون تفرغهم للتجوال بالعرض في المحافظات، لذلك كان الشيخ يرى أن الارتباط بالآخرين قد يزيد الأمور تعقيداً، فكان يفضّل إنجاز عروضه المونودرامية وحده، موضحاً أن ممثل المونودراما يجب أن يتصف بالحنكة والقدرة على الاقتصاد، أي صرف جهده وتوزيعه بشكل جيد ليصل إلى نهاية العرض وهو بكامل طاقته، إضافة إلى ضرورة امتلاكه ذاكرة قوية وذاكرة انفعالية حاضرة مع قوة الحضور والأداء.