الاستراتيجية العسكرية الجديدة في اليابان
ريا خوري
تسعى اليابان جاهدةً لتغيير استراتيجيتها العسكرية، وتطوير تسليح جيشها بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، ودول الاتحاد الأوروبي. هذا التغيير قد يسبّب مشكلة جديدة تضاف إلى مشكلات النظام العالمي، وتضيف إليه معضلة أمنية متزايدة ومتصاعدة في منطقة المحيط الهادئ وآسيا.
تنتهج اليابان هذا النهج الجديد لاعتقادها أنها ستكون قوة اقتصادية وسياسية في منطقة المحيط الهادئ وآسيا، وكذلك لتكون قوة عسكرية رئيسية ومهمّة في المنطقة. وهكذا نجد اليابان تبتعد بشكل تدريجي عن سياستها الدفاعية التي تبنّتها بعد الحرب العالمية الثانية (1939- 1945) والتي تعتمد على استبعاد الحرب، وتجنّب استخدام السلاح والقوة العسكرية من أجل تسوية النزاعات والصراعات الدولية. وهذا التطور في العقيدة العسكرية يقودنا للتساؤل حول الأموال المتوقعة التي ستنفقها على الاستراتيجية الجديدة للأمن القومي الياباني على مدى خمس سنوات قادمة، والتي تهدف إلى تطوير الجيش بشكلٍ كبير وغير متوقع.
في سبيل تغيير العقيدة الاستراتيجية اليابانية، خفّف شينزو آبي، رئيس الوزراء الياباني الأسبق، العديد من القيود العسكرية التي ينصّ عليها الدستور في سبيل تحقيق سياسة عسكرية أمنية أطلق عليها “النزعة السلمية الاستباقية”، بالتوازي مع العديد من إصلاح “قوة الدفاع الذاتي”، فقد أقرّ الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم لأوّل مرة، عام 2015، قانوناً يسمح لليابان بإرسال قوات عسكرية إلى خارج البلاد، والمشاركة في النزاعات والصراعات العسكرية مع الحلفاء الأمريكيين والأوروبيين. وقد روَّج شينزو آبي للتشريع العسكري الجديد بأنّه سيعزّز التزام اليابان بعدم شنّ حروب، والمساهمة العملية والفعّالة في السلام والازدهار ونبذ العنف في العالم.
الجدير بالذكر أنّ الاستراتيجية العسكرية اليابانية الجديدة تتشكل من ثلاث وثائق مهمّة صدرت في كانون الأول 2022، وهي استراتيجية الأمن القومي الياباني، واستراتيجية الدفاع الوطني، وبرنامج التعزيز الدفاعي الياباني.
وبحسب ما أكّدته تلك الوثائق، عملت اليابان على مضاعفة إنفاقها الدفاعي من نحو واحد بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى اثنين بالمئة، ضمن خطة ممنهجة تمتد لحوالي خمس سنوات تتساوق مع أهداف الاستثمار الدفاعي لحلف شمال الأطلسي بالتنسيق مع الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولنتبرغ. وتُقدّر ميزانية الدفاع الجديدة المحتملة بثلاثمائة وخمسة عشر مليار دولار أمريكي، حيث ستجعل اليابان صاحبة ثالث أكبر إنفاق عسكري في العالم بعد الولايات المتحدة والصين، وهذا ما سيرهقها اقتصادياً ومالياً.
إنّ خطة إعادة بناء الجيش الياباني تشمل امتلاك الجيش لأسلحة هجومية نوعية، وهذه العملية تعتبر تغييراً في هيكلة القيادة العسكرية التي تسعى لتحقيق الاستثمارات في قدرات الهجوم، بما في ذلك شراء صواريخ استراتيجية بالستية بعيدة المدى.
لقد طوّرت اليابان من قدراتها ومواردها المالية لبناء اقتصاد قوي متين يقوم على الصناعة المتطورة، وقد نجحت في ذلك نجاحاً ملحوظاً، لأنها كانت تملك بنية صناعية متقدمة، وتقنيات كبيرة متطورة منذ بدايات القرن العشرين. وكانت قد رسمت سياساتها الخارجية، ولا تزال، متساوقة مع السياسة الأمريكية، حيث أصبحت ضمن التحالف الأمريكي العالمي، ولها دور ملحوظ في منطقة الشرق الأقصى، وسارت مع السياسة الأمريكية بالاعتراف بجزيرة تايوان.
بعد انفتاح الولايات المتحدة على الصين مطلع السبعينيات من القرن الماضي، سارت اليابان في هذا التوجّه دون الالتفات إلى الوراء، وانفتحت على الصين بقوة، لكن بقيت علاقات الدولتين في إطار الانفتاح الدبلوماسي والسياسي فقط. ثم حدث تطور كبير في علاقات الدولتين عندما صدرت دراسة مشتركة حول جرائم الحرب اليابانية في الصين، عام 1937، حيث بقي أرخبيل جزر سينكاكو، المحدّد موقعه في بحر الصين الشرقي، مثار خلاف وصراع مستمرين بين الدولتين.
ومع بدء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، خلطت الأوراق من جديد، إذ تبلور على إثر تلك العملية محوران عالميان: الأول محور غربي تقوده الولايات المتحدة، ومن خلفها حلفاؤها في الشرق والغرب وتحديداً دول الاتحاد الأوروبي، والآخر صيني روسي، ومعهما دول مجموعة الــ”بريكس”. وسرعان ما تغيّرت السياسة اليابانية وتبدلت تجاه الصين، حيث أعلنت الحكومة اليابانية بزعامة فوميو كيشيدا عن الوثيقة الجديدة التي تتعلّق بعملية التحول في استراتيجيتها الأمنية والعسكرية، ووافقت على تغيير شامل على السياسة الدفاعية، بما في ذلك زيادة كبيرة في الإنفاق المالي الضخم.