حسابات ماكرون وحساب العالم معه
أحمد حسن
على ما يبدو، وعلى وقع تردّدات الزلزال الأوكراني، تمخّضت حسابات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عن ضرورة رفع ميزانية بلاده الدفاعية بحجّة الاستجابة “للتغيّرات التي يعرفها العالم وللحروب التي قد تنشأ، وهي حروب مختلفة عما عُرف سابقاً”، ستكون “أكثر وحشية، وأكثر عدداً، وأكثر غموضاً”.
هذا ما يُدعى “كلام حقّ يُراد به باطل”، فالرجل المحقّ في توقّع الأسوأ وضرورة الاستعداد له، لا يكمل “جميله” هذا بالاعتراف بأمرين اثنين: الأول أن قرار رفع ميزانية بلاده الدفاعية هو خضوع مستجدّ لمطالبات أمريكية سابقة ودائمة بذلك، وقد جاء الصدع الأوكراني المرعيّ أمريكياً للمسارعة بها، أما الأمر الثاني فهو مسؤولية بلاده، وحلفائها، في خلق هذا المستقبل المظلم، بل دورهم الرئيس في التأسيس له، باعتبار أن أغلب الحروب القائمة، والقادمة، لا يمكن قراءتها بصورة صحيحة إلا بكونها تندرج في سياق محاولات مستميتة من طرفهم للاستمرار في إخضاع العالم ومحاولات مستمرة من هذا العالم للخلاص من ظلمهم و”نهبهم” لثرواته، أي، وبالمحصلة، هذه الحروب بنوعيها هي نتيجة سياسة بلاده ذاتها.
هذا مثلاً ما يفضحه قوله في “الخطبة” ذاتها: “يتعين على فرنسا أن تتوافر لها قوات قادرة على حماية سيادتها وأن تكون متمكنة من توجيه ضربة مخلب لمن يجرؤ على استهداف مصالحنا، وخصوصاً في منطقة آسيا – الهادئ”، فتلك، حسب الرجل، “منطقته” وليست لأبنائها الأصليين، وعليه بالتالي أن يستمرّ في “نهبها” وأن يستعدّ عسكرياً لـ “ردع” هؤلاء إذا حاولوا، أو سوّلت لهم أنفسهم، استعادة حقهم الطبيعي فيها!
وكي لا ننسى، من الضروري إعادة التذكير بأن حروب القرن العشرين التي دعيت عالمية خيضت، بالأصل، كنزاع داخلي بين المستعمرين للاستفراد بثروات بقية العالم، أما باقي الحروب فكانت إما بسبب الألغام التي تركها المستعمر خلفه عامداً، وإما كفعل نضال تحرّري سواء من المستعمر ذاته أم من “أذرعه” التي زرعها هنا وهناك كي تستمرّ سيطرته الفعلية بعد خروجه المادي، وإن كان، للحق، لم يخرج نهائياً، فهذه أمريكا تحتل اليوم أغلب بلاد العالم بقواعدها العسكرية، وهذه فرنسا ذاتها تتوزّع قواعدها هنا وهناك وتحديداً في إفريقيا حيث الكنز المنهوب الذي قامت عليه، وعلى سواه، رفاهية أوروبا كلها، بينما لم تقدّم لها سوى الفقر والإرهاب على ما ألمح رئيس وزراء بوركينا فاسو، أبولينير يواكيم كييليم دو تامبيلا، في تشرين الثاني حين صرّح أن “بعض الشركاء” الدوليين لبلده، وهو يقصد فرنسا تحديداً، “لم يكونوا أوفياء دائماً” في مكافحة الجماعات الجهادية، متسائلاً: “كيف نفسّر أن الإرهاب يفسد بلادنا منذ عام 2015 في جوّ من اللامبالاة، إن لم يكن بتواطؤ بعض من يسمّون أنفسهم شركاءنا؟
إذاً تحذير ماكرون حقٌّ يُراد به باطل لأنه لم يكمله بالاعتراف بدور بلاده فيما هو حاصل وقادم، حتى إنه ما زال يرفض بغطرسة مزعجة الاعتذار عن جرائم بلاده في الجزائر التي قدّمت أكثر من مليون شهيد على مذبح خلاصها منه.
لماكرون حساباته، لكن للعالم أيضاً حساباته وحسابه معه ومع أشباهه، وبالتأكيد يحقّ للجميع سؤال ماكرون ودولته العضو في مجلس الأمن الدولي منذ تأسيسه، والمسؤولة بالتالي، ولو نظرياً، عن أمن العالم واستقراره، عمّا فعلته لمنع الحروب القائمة أو على الأقل لإطفاء نيرانها؟، وعمّا فعلته كي لا تكون الحروب القادمة أكثر وحشية وعنفاً؟.
وفيما يخصّنا، لدينا في سورية، حسابان معه، أحدهما قديم والآخر جديد، يمتدّ القديم من إنذار “غورو” الشهير ومجزرة “ميسلون” إلى مجزرة البرلمان السوري الدامية، وينطلق الجديد من بداية رعاية بلاده لكل إرهابيي العالم في تدميرهم سورية، وهو حساب ما زال مفتوحاً حتى اللحظة الراهنة، بانتظار الاعتراف، والاعتذار، والتعويض.
ماكرون يحذّر ممّا جنت يداه.. والتاريخ سيسجّل، له ولأشباهه، ما يمكن اختصاره بالقول: “تبّت يدا..”.