دراساتصحيفة البعث

الجزائر.. محج الطاقة

علي اليوسف

بلا ضجة إعلامية، وصلت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، إلى الجزائر بحثاً عن الطاقة التي تبحث عنها روما كباقي العواصم الغربية التي ارتمت في الأحضان الأمريكية ووقفت ضد روسيا، بل فرضت عليها عقوبات كانت من أهم نتائجها الارتدادات العكسية التي لم يُحسب لها أي حساب. ومن هذا المنطق، باتت الجزائر المحج الطاقوي لكل من تضرّر بعقوباته على روسيا.

وبعيداً عن البروتوكولات الرسمية، باتت الجزائر المورد الأول للطاقة لإيطاليا وللعديد من الدول الغربية، ولهذا السبب بالتحديد حطّت ميلوني في الجزائر لتعزيز الشراكة بين البلدين بعد التقليل من الاعتماد على روسيا كجزء من التوجهات الغربية في إيجاد البدائل لمصادر الطاقة.

ومن الطبيعي أن ترسم هذه الزيارة معالم جديدة في العلاقات الدولية، وخاصةً في ظل المراهنة على الغاز الجزائري بعد أزمة الطاقة التي فجرتها الحرب في أوكرانيا، على الرغم من الشكوك الجزائرية حول الشراكة الاستراتيجية مع روما بعد سقوط اليسار الإيطالي وصعود اليمين المتطرف إلى الحكم.

لكن ما دامت الجزائر ترى أن مصالحها فوق أية اعتبارات أيديولوجية، وما دامت إيطاليا المثقلة بالديون تبحث عن مخرج لأزمة الطاقة التي زادت من فرضيات انهيارها الاقتصادي، فإن أهم ملف في زيارتها هو ضمان زيادة تدفق الغاز بالكميات المتفق عليها والمقدرة بـ9 مليارات متر مكعب سنوياً، في ظلّ تنافس عدة دول أوروبية على التزود بالغاز الجزائري.

حتى الآن يبدو هذا السقف عالياً، لأن ما تحتاجه الجزائر هو دعم عملاق الطاقة الإيطالي، شركة “إيني”، في تكثيف استثماراته بمجال التنقيب وإنتاج الغاز وتصديره. وربما تكون ميلوني في الجزائر لهذا السبب بالذات، وتحديداً جعل إيطاليا مركزاً لتوزيع الغاز أوروبياً بدلاً من إسبانيا. وإذا كان هذا هو المقصود، فمن المرجح أن تتم إعادة إحياء مشروع أنبوب “غالسي” الرابط بين الجزائر وجزيرة صقلية الإيطالية، لأن أنبوب “إنريكو ماتي” الذي يمرّ عبر تونس يكاد يصل إلى ذروته البالغة 32 مليار متر مكعب. ومع رغبة إيطاليا بوقف استيرادها للغاز الروسي الذي كان يمثل نحو 45 بالمئة من وارداتها، وعدم كفاية صادرات الجزائر لتغطية الطلب الأوروبي، فمن الممكن أن يتمّ بحث دعم إنشاء خط الأنابيب العابر للصحراء لنقل الغاز النيجيري عبر الجزائر إلى أوروبا.

من هنا، فإن إيطاليا ليست الدولة الأوروبية الأولى التي تزور الجزائر، فقد سبقها إليها الكثيرون في ديناميكية حرة لاستغلال الوضع الدولي والإقليمي لإعادة التموضع في الجزائر عبر تعزيز المبادلات التجارية، لكن ما يتضح من زيارة ميلوني أنها تريد أخذ حصص إسبانيا في السوق الجزائرية، ومنافسة الصين كأول شريك تجاري للجزائر، بل وحتى الفوز بصفقات سلاح في ظل الضغوط الأمريكية على الجزائر لتقليص وارداتها العسكرية من روسيا.

وعليه قد يتفجر الوضع السياسي داخل أوروبا نتيجة الصراع الداخلي على الطاقة، وما قد يتبعه من ارتجاج في العلاقات السياسية بين أوروبا والصين وروسيا نتيجة المزاحمة، وبالتالي الدخول في فوضى عالمية على الأقل حتى انتهاء فصل الشتاء الذي كشف أن لا أخلاق لدى الأوروبيين في الصراع على مصادر الطاقة، كما أنه لا أخلاق لديهم في إزاحة بعضهم البعض، كما يجري الآن بين ايطاليا وإسبانيا، وبين ألمانيا وفرنسا، وغيرها من الأمثلة الكثيرة!.