دراساتصحيفة البعث

رسالة وليام بيرنز السرية التي نقلها إلى زيلنسكي

سمر سامي السمارة

في كانون الثاني الفائت، قام رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ويليام بيرنز، بزيارة سرية إلى كييف ليبلغ الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي أن روسيا كانت تخطّط لاغتياله، وللإشارة عُقد الاجتماع السري قبل أسابيع من بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

بطبيعة الحال، زعمت وسائل الإعلام الغربية، بسذاجة، أن بيرنز حذّر زيلينسكي من أن الروس كانوا يخطّطون لقتله، كما زعمت أن تأثير الإحاطة السرية كان كبيراً على الرجل في كييف.

ومع ذلك، كان من الضرورة بمكان أن تُثار بعض الأسئلة التي لا يطرحها الإعلام الغربي كعادته. مثلاً: لماذا كان من الضروري أن يقوم بيرنز برحلة طويلة وسرية إلى كييف ليخبر زيلينسكي بوجود تهديد باغتيال روسي مزعوم؟ ولماذا لم يستطع رئيس وكالة الاستخبارات المركزية أن يُطلع الرئيس الأوكراني على الخطر المحدق به عبر مكالمة هاتفية بخط آمن؟.

من المؤكد أن مقابلة بيرنز لزيلينسكي شخصياً تشير إلى أن مسؤول التجسّس الأمريكي أراد نقل رسالة أخرى غير مبلّغ عنها، وهي رسالة لا يسمعها سوى زيلينسكي، ولا يمكن تسجيلها بأي ثمن. إذ أن القوات الروسية لو كانت تريد اغتيال زيلينسكي لفعلت، فقد كان لديها الكثير من الفرص خلال ما يقرب من 11 شهراً من العملية العسكرية الروسية الخاصة، خاصةً وأنه غامر بالخروج من مخبئه بشكل متزايد، وزار أماكن مثل بوتشا ومدينة باخموت على خط المواجهة.

هل هي تحركات رجل مهدد فعلاً؟

عزت وسائل الإعلام الغربية ذلك جزئياً إلى أن زيلينسكي، في وقت رحلة بيرنز إلى كييف، كان يشكّ في تحذيرات الاستخبارات الأمريكية من عملية عسكرية روسية. وبحسب ما ورد، تم إرسال رئيس وكالة الاستخبارات المركزية لمنح الرئيس الأوكراني تحققاً واقعياً من أن القوات الروسية كانت مستعدة لعبور الحدود آنذاك إلى منطقة دونباس الشرقية.

من الواضح أن هذا الخبر غير صحيح، فقد كان زيلينسكي نفسه يوهم الآخرين بخطر “الهجوم الروسي” في الأشهر والأسابيع التي سبقت العملية العسكرية الروسية الخاصة، ما يعني أنه لم تكن العملية العسكرية الروسية ستبدأ لولا تكثيف الجيش الأوكراني المدعوم من حلف شمال الأطلسي لحملته التي استمرت ثماني سنوات لترويع المواطنين الروس العرقي في إقليم دونباس.

تم انتخاب زيلينسكي في عام 2019 بتدبير من وكالة الاستخبارات المركزية لدعم نظام النازيين الجدد في كييف الذي جلبه إلى السلطة. وبعد انتخابه، سرعان ما نسي الممثل الكوميدي، الذي تحول إلى سياسي، وعود السلام التي قدمها للناخبين، وبمساعدة من القوات شبه العسكرية المدرّبة من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، تحول من حمامة إلى صقر مثل الممثل المحترف الذي تم تسليمه سيناريو جديداً.

ربما كان زيلينسكي يشعر بالخوف ويفقد أعصابه بحلول كانون الثاني الماضي، فقد كان واضحاً أن الاستفزازات العسكرية للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ضد روسيا، ورفض مبادرات موسكو الدبلوماسية من قبل واشنطن وأتباعها الأوروبيين كانت تؤدي إلى الحرب.

في الحقيقة يبدو من المعقول، أكثر من أي شيء آخر، أن ويليام بيرنز ظهر فجأة في كييف لمضاعفة الخوف لدى زيلينسكي، فقد أرادت واشنطن أن تستمر حربها بالوكالة ضد روسيا لأسباب جيوسياسية أكبر، وهي الحفاظ على الهيمنة أحادية القطب، وقطع أوروبا عن الطاقة الروسية، كما أن الأمريكيين لا يرغبون في أن يهرع دميتهم في كييف خائفاً في اللحظة الحاسمة، فالكل يتذكر أنه في نيسان -بعد شهرين من اندلاع الصراع- كانت هناك مبادرات سلام من زيلينسكي إلى موسكو، لكن دافعي الرواتب الأمريكيين قاموا بإفشال هذه الدبلوماسية الأولية على الفور باستخدام رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون كقناة في زيارة مريبة إلى العاصمة الأوكرانية.

حذّر بيرنز زيلينسكي من الاغتيال، لكن واقع الحال يؤكد أن التهديد لم يكن من روسيا، لأنه كان من الممكن أن يكون من وكالة الاستخبارات المركزية، الوكالة التي برعت في التخلص من الدمى الأمريكية على مرّ السنين، إذا أصبحوا محرجين لها، وما يؤكد ذلك هو اغتيال جون إف كينيدي في تكساس عام 1963، ما يعني أن الوكالة قادرة على التخلص حتى من الرؤساء الأمريكيين إذا أصبحوا غير ملائمين.

من هنا يمكن القول إن الدبلوماسي “الأنيق” بيرنز الذي شغل سابقاً منصب سفير الولايات المتحدة لدى روسيا منذ عام 2005 لغاية 2008، سيكون لطيفاً للغاية بحيث لا يستطيع نطق الكلمات المبتذلة، مثل “سنقتلك”، فقد كان سيقال لزيلينسكي: “للأسف، قد لا نتمكن من حمايتك”.