بعد فشل الفتنة الغربية ضدّ إيران.. فصول جديدة للحرب الدعائية عليها
البعث الأسبوعية – بشار محي الدين المحمد:
تتسارع التحرّكات الاستفزازية الأوروبية ضدّ إيران في سياق اعتبار الحرس الثوري الإيراني “منظمة إرهابية”، مع تصاعد وتيرة التحذيرات من معظم رجال السياسة والقادة في طهران من مغبّة تلك الخطوة غير العقلانية، ليُضاف هذا المشهد إلى مشاهد متكرّرة قد سبقته في الآونة الأخيرة مثل كيل الاتهامات الغربية لإيران بتزويد روسيا بطائرات مسيرة ومساندتها بصواريخ بعيدة المدى في عمليتها الخاصة في أوكرانيا، أو محاولة دعم جماعات الشغب والإرهاب والجواسيس في إيران لتقوية حراكاتهم غير السلمية وغير الديمقراطية في البلاد عبر استغلال عناوين “حقوق الإنسان، وحرية الصحافة، وحرية المرأة” وغيرها من شعارات الغرب الزائفة والمعدّة للتصدير نحو أي بلد يريدون خرابه ضمن إطار سياسة “الفوضى الخلاقة” لتعزيز هيمنتهم على الشعوب.
يرى معظم الخبراء أن هذه الخطوة وإن كانت مجرّد توصية عديمة الأثر على الأرض كشبيهتها التي قامت بها الولايات المتحدة في عام 2019 لافتقادها قوة التنفيذ، لكنها في الوقت ذاته تعدّ حرباً دعائية على طهران لاستكمال الضغوط عليها وخاصة مع فشل سيناريو المظاهرات والشغب وأعمال الإرهاب التي حدثت منذ عدة أشهر والتي ظنّ الغرب أنها قادرة على “إسقاط الجمهورية الإيرانية ومؤسساتها القوية” على طريقة “الربيع العربي” الفاشلة، وذلك بهدف ابتزاز إيران وخفض مطالبها في مفاوضات الملف النووي السلمي الإيراني، تنفيذاً للإملاءات الأمريكية الرامية إلى إفشال التفاوض وفرض الإرادة الفردية القسرية على طهران بعدة طرق، وخاصةً الضغوط الاقتصادية ومعاقبة الشركات التي تقيم حتى اللحظة أطيب العلاقات التجارية مع العديد من دول أوروبا بل زاد نشاطها في غضون العام المنصرم.
الأوروبيون يظنون أن خطوتهم هذه جدّية وستُحدث فرقاً ملموساً على الأرض، وخاصة إن قطعوا علاقاتهم مع تلك الشركات متناسين أن مضيّهم في سياسات العقوبات التي جنحوا إليها مؤخراً يضرّهم أكثر مما ينفعهم وتُدفع فاتورته من جيوب شعوبهم.
إن الحرس الثوري الإيراني مؤسسة وطنية لدولة مستقلة ومعاقبتها وتصنيفها على أنها “منظمة إرهابية” هو خرق للقانون الدولي واتفاقياته، فلا يوجد أيّ بند يسمح لأية جهة بأن تعدّ الجيش الوطني “ميليشيا” أو تشبيهها بتنظيمات مسلّحة خارجة عن القوانين والأعراف الوطنية أو الدولية بأي شكل كان، لكن الغرب يعمد إلى تمرير القرار من خلال الادّعاء بأن قيام طهران بإعدام عدد من الإرهابيين أو مرتكبي أعمال التجسّس على الدولة لمصلحة جهات خارجية أو عدوّة، أو اعتقال مثيري الفتن والاضطرابات، “اعتداء على حقوق الإنسان وحرية الرأي”، على الرغم من أن طهران أوضحت في العديد من المناسبات أنها تحترم حرية الرأي على ألا تمسّ بهيبة وسلامة الدولة، إضافة إلى العمل الدؤوب على تغيير بنية بعض الأجهزة المختصة وإعداد مشاريع أو إصدار بعض القوانين الناظمة للحريات، ولكن النقطة الأكثر استغراباً تكمن في أن المؤسسات الأوروبية المتشدّقة بحقوق الإنسان تكيل بمكيالين وتعمل بشكل مسيّس، فعلى سبيل المثال، هي لم تدِن إطلاق النار على المتظاهرين من الشرطة الفرنسية أو قتل الشرطة الأمريكية للزنوج في حادثة “فلويد” وغيرها من الأحداث المتكررة، أو أعمال القتل والتجويع ضدّ الشعب اليمني من قوات أمريكا والنظام السعودي، أو قتل الصحفية شيرين أبو عاقلة في الأرض المحتلة من قوات الكيان الصهيوني، أو قطع المياه عن أكثر من مليون إنسان في الحسكة من قوات النظام التركي ومرتزقته، أو الإساءة إلى الدين الإسلامي ومعتقداته في السويد، وهذا يؤكد أن البرلمان الأوروبي الذي يعدّ أعلى سلطة حقوقية منتخبة من الشعب الأوروبي لا ينفّذ ما يصبّ في مصلحة هذا الشعب، بل مجرّد أداة بيد إسرائيل وبريطانيا سابقاً والولايات المتحدة حالياً، التي أكدت بعد الحرب الأوكرانية من خلال العديد من تصرّفاتها أنها تعدّ الأوروبيين أنداداً لا حلفاء شأنهم شأن الصين وتسعى إلى تدميرهم اقتصادياً في سبيل التفوّق على الصين، وما يؤكد ذلك هو منعهم من شراء الغاز الروسي وبيعه لهم بتسعة أضعاف ثمن سابقه أو أربعة أضعاف ثمنه ضمن الولايات الأمريكية، ونرى الآن كيف أن هذا البرلمان يدمّر الوساطة التي اقترحها أساساً بين طهران وواشنطن للتفاوض في الملف النووي الإيراني تنفيذاً لسياسة الضغوط القصوى الأمريكية لا أكثر.
ولمن يتساءل حول ما ورد بتصريحات القادة الإيرانيين بأنه لولا جهود الحرس الثوري الإيراني لكان الإرهاب قد وصل إلى أوروبا، فعلينا أن نستذكر هنا أن تنظيم “داعش” الإرهابي هو صناعة أمريكية ومنفّذ لمخططاتها بدليل أنه أقام حربه على العراق وسورية دون أن يرمي ولو رصاصة تجاه الكيان الإسرائيلي، كما أنه لولا تضافر جهود جيوش العراق وسورية والحرس الثوري والمقاومة الإسلامية المدعومة منها، لكان “التنظيم” قد نجح في صناعة قاعدة أو قواعد كبرى له تمكّنه من القفز من العراق وسورية عبر إيران وصولاً إلى أوروبا، كما أن الحرس الثوري قتل مع هذه الجيوش آلاف الإرهابيين أوروبيي الأصل ولو عادوا أحياءً إلى بلدانهم لكانوا قاموا بمئات الاعتداءات وجندوا آلاف المرضى النفسيين لقتل الأبرياء في القارة، وخاصة أن واشنطن لا تكترث لأيّ عامل سيساهم في زيادة انهيار أوروبا.
على المقلب الإيراني، كانت تحذيرات طهران أكثر جديةً من تلك الخطوة الأوروبية الدعائية، وسيكون ردّها قاسياً لامتلاكها العديد من الأوراق سواء في المنطقة أم في العالم، وخاصةً أن الحرس الثوري الإيراني مؤسسة رسمية قوية تمتلك مشاريع اقتصادية عملاقة، كما أنها تقيم علاقاتٍ متينة مع العديد من دول العالم، ورأينا سابقاً كيف أن البحرية الإيرانية كانت قادرة على الردّ بالمثل على أي اعتداء بحري على سفنها وناقلاتها سواء كان مصدر الاعتداء أمريكياً أم بريطانياً.
لقد باتت السياسات الأوروبية المرتهنة لأمريكا مفضوحةً جداً، ففي آذار الماضي كانت هناك اتفاقية أو مسوّدة لتوقيع الاتفاق النووي الإيراني، لكن قوى الغرب عمدت إلى تأجيل توقيعها، وحدث ما يحدث الآن للحصول على “انصياع طهران” الذي لم ولن يحدث، وخاصة مع تزايد نقاط قوتها وتحالفها الاستراتيجي العسكري الاقتصادي مع روسيا، الذي كلّل بمضاعفة أرقام التبادل التجاري، وصفقة وشيكة التنفيذ لامتلاك مقاتلات “سو – 35” الروسية بعد إتمام التدريب عليها، وغيرها من الخطوات الثنائية غير المعلنة في مواجهة القطب الواحد البائد.