مجلة البعث الأسبوعية

كيف نتعامل مع المفردات الكروية وإلى متى سيبقى المدربون الحلقة الأضعف؟

البعث الأسبوعية-ناصر النجار

قضايا ملحة أفرزتها المراحل السابقة من الدوري الكروي الممتاز ودوري الدرجة الأولى، وهذه القضايا وإن كانت أبرز الأحداث على الساحة الكروية إلا أنها لم تكن وليدة الساعة بل هي قديمة قدم الدوري ومع ذلك لم تجد العلاج الكافي أو الحلول الشافية.

أولى القضايا موضوع الاستقرار الفني وهذا بعهدة إدارات الأندية، وللأسف لم نجد أي نادٍ استوعب أهمية هذا الأمر من باب البناء الصحيح لكرة النادي، وعندما نتجول في الأندية الكروية العالمية أو الأندية العربية المرموقة نجد أن موضوع تبديل المدرب لا يأتي إلا لأسباب وجيهة وموجبة، فنجد المدرب باقياً في النادي عدة مواسم حتى يصل إلى مرحلة أنه أفرغ كل ما في جعبته من معلومات وأفكار وبات فارغاً من كل شيء، أو حدثت مشاكل بينه وبين اللاعبين أو الإدارة وبات وجوده في الفريق ضرباً من المستحيل، وكما نلاحظ فإن الدوري الإنكليزي (على سبيل المثال) لا يغير في الموسم الواحد أكثر من مدربين أو ثلاثة مع العلم أن الدوري يضم عشرين فريقاً.

قضية الانسجام بين المدرب واللاعبين ليست بالأمر السهل، وهي لا تأتي بين يوم وليلة، وتحتاج إلى وقت طويل ليفهم اللاعبون فكر المدرب وأسلوبه في التدريب وإدارة المباريات، وهناك موضوع الانسجام بين اللاعبين أنفسهم وهو أيضاً يحتاج وقتاً أطول خصوصاً أن أنديتنا تدخل كل موسم بتشكيلة جديدة من اللاعبين، لذلك فإن أغلب أنديتنا تفتقد إلى الاستقرار الفني وهو أحد أهم ركائز التطور وحصد البطولات.

الخطوة الأولى تبدأ من عملية اختيار المدرب، فعندما تقوم إدارات الأندية باختيار مدربيها عليها أن تمنحهم الثقة المطلقة لقيادة كرة القدم وأن تمنحهم كل الدعم ومقومات العمل وأن تصبر على عملهم، ومن الخطأ أن يتم التعاقد مع المدرب من أجل فترة بسيطة أو موسم واحد.

واختيار المدرب يجب أن يبنى على عوامل متعددة أهمها: شخصيته، سيرته الذاتية، إنجازاته، أخلاقه، والعقد يجب أن يكون لموسمين أو أكثر، ومدربونا عليهم أن يضعوا شرطاً جزائياً في العقد حتى لا يكون أمر تسريحهم سهلاً ولأتفه الأسباب.

المدربون في كرتنا قسمان، قسم جيد، وقسم عادي، والفوارق بين المدربين قليلة، لذلك فإن تغيير المدرب ضمن الموسم الواحد أمر غير مجدٍ لأن أيّاً من مدربينا لا يملك عصا سحرية، ولا يمكن أن يفعل في نصف الموسم ما لم يفعله من سبقه، لذلك لم نجد أن التبديلات أتت بفوائد ملموسة ورفعت فريق من مستوى متدن إلى مستوى جيد.

ونلاحظ هذا الموسم والذي قبله من المواسم أن كل التبديلات بين المدربين لم تؤت ثمارها ولم تحقق المطلوب منها، لذلك فإن البحث عن الاستقرار الفني هو الأفضل والأجدى لكل فرقنا.

وهنا تختلف كرتنا عن غيرها بأن العلاقات الشخصية هي العامل الرئيس في تعيين المدرب أو إقالته قبل العوامل الفنية التي تحدثنا عنها، ولأن أنديتنا غير مستقرة إدارياً فإن مع كل تبديل يطرأ على الإدارات يجب أن يتبعه تبديل في الأجهزة الفنية، والسبب كما يدّعون أن هذا المدرب مرتبط بالإدارة السابقة، وهنا تبدأ نظرية المؤامرة لتعمل عملها، هذا من ناحية أما من ناحية أخرى فإن بعض الإدارات لها أصحاب من المدربين وهم أولى بالتعيين بغض النظر عن الكفاءة والخبرة، وعند الفشل يأت بمدرب صديق جديد!

في كل موسم نجد أن عدداً قليلاً من الأندية يحافظ على مدربه لموسم واحد أو أقل بقليل ولم نجد مدرباً بقي في ناديه موسماً أو موسمين، والفرق التي حافظت على مدربيها حتى الآن هي: أهلي حلب والوثبة وجبلة ولنا أن نتصور حجم الكارثة عندما نعلم أن تسعة أندية بدلت 30 مدرباً في تسعة أسابيع والأسباب أغلبها إداري وقليل منها فني.

أكثر الأندية تعاقداً مع المدربين كان المجد الذي بدأ بهشام شربيني ثم محمد خلف وعماد دحبور والمدرب المساعد عبد الهادي الحريري واستقر مع مصعب محمد، والسبب في نادي المجد إداري لتغيير الإدارة ثم رئيس النادي إضافة لأسباب مالية، وفي تشرين تواجد أربعة مدربين وكما نعلم هناك أسباب إدارية عديدة وضعت النادي بمرحلة اللاتوازن والمدربون على التوالي هم: عمار الشمالي ورأفت محمد وهشام كردغلي على فترتين وأخيراً محمد عقيل، وحطين يشابه وضعه وضع تشرين فبدأ بمصعب محمد ثم عبد الناصر مكيس وجديده عمار ياسين.

من جهته الوحدة بدأ بالصربي دوبرا موفيتيش ثم زياد شعبو وعمار الشمالي، واستقال الشمالي أخيراً وجاء بدلاً منه وليد الشريف، والتغيير في الوحدة أسبابه إدارية وفنية.

الجيش بدأ مع رأفت محمد ثم حسين عفش، رأفت درب الفريق في الكأس، وحسين بدأ مع الدوري، أما الكرامة فبدأ بفواز مندو ثم أحمد عزام، والطليعة بدأ بفراس قاشوش ثم بشار سرور والأسباب فنية، من جهته الجزيرة شهد عدة مدربين قادوا الفريق منهم لوسيان داوي ووحيد همو وشيخموس أوسي وأحمد الصالح مديراً فنياً لكل هؤلاء المدربين، وأخيراً الفتوة بدأ مع ضرار رداوي وتعاقد مؤخراً مع عمار الشمالي.

الناحية السلبية أن مدربي الفرق المتنافسة على الصدارة وهي الوثبة والجيش والفتوة وأهلي حلب وجبلة يعيشون تحت الضغط فإما أن يفوز المدرب باللقب أو أن يرحل، ومع أول مطب كروي نجد أن المدرب يرحل بالفعل نتيجة ضغط الجماهير ومطالبتهم وللأسف فإن الإدارات تستجيب كما حدث مع مدرب الفتوة ضرار رداوي، فهل لنا أن نتخيل أن مدرباً فريقه في المقدمة وتتم إقالته بسبب خسارة مباراة؟

للأسف هذه ثقافة أنديتنا وكرتنا وسنجد ما حدث مع الفتوة مستمراً مع غيره وقد نرى هذا الأمر يتكرر في باقي الأندية إن لم يكن في القريب العاجل فمع استراحة الدوري القادمة، لكن الأغرب من هذا وذاك طبيعة العقود الموقعة بين الأندية والمدربين، وعلى الأغلب أن هذه العقود ضعيفة أو إنها لا تضمن حق النادي كاملاً أو حق المدرب، وكم من مرة سمعنا أن المدرب الفلاني درّب أحد الأندية حباً بالنادي أو لأنه ابن النادي أو شيئاً من هذا القبيل دون أي عقد رسمي.

ما حدث مع نادي الوحدة مؤخراً يؤكد هذه الثغرة فكيف لمدربه عمار الشمالي أن يوقع مع نادي الفتوة دون علم إدارة نادي الوحدة ودون أي مقدمات أو مفاوضات بينه وبين ناديه، ولو كان هناك شرط جزائي يوثق حالة العقد ما تم هذا الإخلال.

وأدبياً لا يجوز لناد أن يسحب مدرب نادٍ آخر قائم على رأس عمله في حالة تدل على سوء التصرف الذي يؤدي إلى شرخ بين الأندية حالياً ومستقبلاً، وهذه الحالة هي الثانية التي تحدث مع إدارة ماهر السيد، وسبق لماهر بحري أن غادر نادي الوحدة بداية الموسم الماضي بعد ثلاث مراحل في جنح الظلام دون اتفاق أو استئذان إلى نادي النجمة اللبناني.

بالمقابل أيضاً فإن حالة توثيق العقود التي تحمي المدربين غير موجودة فما قلناه عن حقوق الأندية ينطبق على المدربين عندما تتم إقالتهم (ببلاش) لأنهم لم يوثقوا عقودهم ولم تتضمن البنود حقوقهم المالية.

أسلوب التعاطي مع الشأن الكروي هو ضمن المسؤوليات العامة التي يفرضها الانتماء الرياضي، فالدوري العام بأي درجة أو فئة هو شأن عام لأنه يخص كل الرياضيين في الجغرافية السورية، والقرارات الصادرة سواء من اتحاد كرة القدم أو من لجانه العليا هي قرارات تختص بالشأن العام الكروي وليست قرارات فردية.

فلو صدر مثلا قرار بمعاقبة لاعب أو مدرب أو رئيس نادٍ كما حدث سابقاً مع المرحوم رئيس نادي تشرين أو رئيس نادي الفتوة الحالي، فالمقصود بالعقوبة هي المخالفة ومكافحة كل أنواع الشغب مهما كان سببه وأياً كان مرتكبه فلا يوجد أحد فوق القانون.

لكن للأسف نجد أن البعض يجير كل القرارات لمصلحته الشخصية وعلى قدر فائدته أو ضرره دون التعاطي معها كشأن عام، عقوبة رئيس نادي الفتوة أخذت حيزاً كبيراً من التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي وتعامل البعض مع العقوبة على أنها خطيئة ضد نادي الفتوة.

وعندما أخطأ الحكم بحق نادي الجزيرة بمباراته مع الفتوة تم معاقبة المسيئين من نادي الجزيرة وكانا مدربين، ولم تقم الدنيا ولم تقعد، وعندما ظن أبناء الفتوة أن الحكم أخطأ بحق ناديهم فتناولوا الحكم بالشتم وتطاول رئيس النادي على القوانين فاقتحم الملعب واعترض واستهزأ بالحكم متحدياً قرار المكتب التنفيذي والقرارات الصادرة من اتحاد كرة القدم، وجوبه مع فريقه بالعقوبة المناسبة حسب تقرير مراقب المباراة فقامت الدنيا ولم تقعد، وبات فلاسفة الفريق يعتبرون الفتوة ضحية وأن مؤامرة تحاك ضد النادي ورئيسه، بل إن النادي جيّش كل مواقع التواصل التي يمتلكها عشاقه للنيل من اتحاد كرة القدم ولجنة الانضباط والأخلاق التي شتمت بسبب أنها طبقت القانون.

مسألة الجهل في التعاطي مع المفردات الكروية للأسف لا يقتصر على بعض مواقع التواصل الاجتماعي بل إن العديد من الإعلاميين الذين فتحوا نوافذ الدردشات تورطوا في الكثير من التفاصيل حباً في الظهور عبر الإثارة وجمع “اللايكات”.

من المؤسف جداً ألا يتم التعاطي مع كل المسائل الكروية بعقلانية فالقانون فوق الجميع والنظام يجب أن يسود على كل من ينتمي لأسرة كرة القدم، لأن الفوضى قاتلة، وهي أحد أسباب ضعف الدوري وتدني مستواه لأن القائمين على كرة القدم في الأندية لا تهمهم إلا مصلحتهم الشخصية وهم بعيدون كل البعد عن مصلحة ناديهم وعن المصلحة العامة.

الانتماء إلى المنظومة الكروية يعني التفاعل الإيجابي مع كل مسائل كرة القدم، ومن كان حريصاً على ناديه ومحباً له فإن صدقه في محبته وإخلاصه لناديه يتبين من عدم إلحاق الأذى بالنادي، فالمحبون يبتعدون عن الشغب وعن الشتم وعن إلقاء الحجارة والزجاجات الفارغة والألعاب النارية حباً بتطبيق القانون أولاً وولاء للنادي حتى لا يتضرر ويتكلف ويتأذى من العقوبات، أما الخروج عن المألوف فهو أمر مرفوض بكل أشكاله.

اتحاد كرة القدم لديه برامج يعمل عليها، ولا يهمه اسم الفريق الذي سيفوز باللقب بقدر ما يهمه نجاح الدوري، وعلى هذا الأساس يجب أن يكون أسلوب الجميع بالتعاطي مع كرة القدم.