ثقافةصحيفة البعث

رفعت عطفة أغنى المكتبة العربية ورحل

آمن رفعت عطفة بأن الترجمة كانت على مرِّ الزمان منجاة للآثار الأدبية والمؤلفات المكتوبة من الاندثار، وقد كان من المثقفين الذين قاموا بدور الدينامو الثقافي، فإذا كان الأدب المكتوب باللغة الإسبانية من أكثر الآداب حظوة بالترجمة إلى اللغة العربية خلال العقود الأخيرة، فإن جزءاً كبيراً من هذا الالتفات يُحسب للمترجم السوري رفعت عطفة.

رفعت عطفة غادر عالمنا في 23 كانون الثاني، عن ستة وسبعين عاماً قضاها في خدمة الثقافة، وبعد أن أغنى المكتبة العربية بالكثير من الترجمات الأدبية، وبعد لعب على مدار عشرات السنين دوراً مهماً في الحراك الثقافي السوري والعربي.

ولد رفعت عطفة في مصياف، عام 1947، وتعلّم في مدارسها قبل أن يغادر إلى إسبانيا في نهاية الستينيات، حيث حصل على ماجستير في الأدب الإسباني من جامعة مدريد المستقلّة، وفتحت الدراسة في مدريد له آفاق الأدب الإسباني ومكّنته من الغوص في أدبية أشهر أدباء العالم، مثل فيدريكو غارثيا لوركا، وبابلو نيرودا، وإيزابيل الليندي، وأنطونيو غالا، وميلان كونديرا، وغابرييل غارسيا ماركيز، وميغيل دو ثربانتس.

اطلع عطفة على حركة المجتمع الإسباني الزاخر آنذاك وفهمه لتفاصيل حياته وثقافته، ما جعل ترجماته على قدر كبير من الحيوية والجمالية، فافتتح مسيرته عام 1978 حينما صدرت له عن وزارة الثقافة السورية ترجمته لكتاب “التساؤلات” للشاعر التشيلي بابلو نيرودا، والذي كان قد صدر في الأصل الإسباني قبل أربعة أعوام.

عطفة كمترجم له أكثر من 60 عملاً، وهو أول مَن قدم الأديب الإسباني فاريو بارغث ليوثا عبر ترجمة روايته الشهيرة “البيت الأخضر”، ومن الترجمات المميزة له رواية “دونكيشوت” ورواية “ابن لص” للكاتب مانويل روخث، عام 1985، إلى جانب ترجمته “المخطوط القرمزي” لأنطونيو غاليا، وكذلك “الوله التركي”، و”غرناطة بني نصر” في فترة التسعينيات، وأيضاً رواية “علي بابا العباسي” للكاتب رامون مايراتا، وهي من العناوين التي لاقت انتشاراً كبيراً في الأوساط الثقافية العربية، ولاسيما أن معظم كتّابها لم يكونوا معروفين على الصعيد العربي. وركّز عطفة أيضاً في حياته على ترجمة المسرح، حيث نقل على وجه الخصوص أعمالاً للكاتب الإسباني رامون دل بالييه إنكلان، من بينها “أضواء بوهيمية” (1979)، وثلاثية “الكوميديا البربرية”، التي أصدرها في ثلاثة عناوين عام 1982: “وجه الفضّة”، “النسر”، “نشيد الذئاب”.

وإلى جانب نشاطه الكبير في ميدان الترجمة، فإن له تجربة واحدة في الرواية وهي بعنوان “قربان”، وفي القصة القصيرة له مجموعة “الرجل الذي لم يمت” وتضمّ أكثر من أربعين قصة تروي تجاربه في الحياة، سواء من خلال المعيش الشخصي، أو من خلال المعيش المجتمعي بكل أبعاده، وتمحورت موضوعاتها حول وجع الناس والإحباط الذي ينتابهم في بعض الأحيان.

وله في الشعر ديوانان هما “إغفاءات على حلم متكرر”، و”قصائد الحب والأمل”.

في مدريد

عمل الراحل لأكثر من خمسة عشر عاماً مديراً للمركز الثقافي العربي في مدينته مصياف (1987- 2004)، حيث ساهم هناك في تكوين نقطة التقاء ثقافية ومعرفية بعيداً عن حِسابات الأجواء الثقافية في العاصمة دمشق ونُخبها، كما ساهم في تأسيس “المركز الثقافي السوري” في مدريد عام 2004، والذي أداره حتى عام 2008، وهناك ساهم في خلق عدد من النشاطات التي حقّقت موقعاً مهماً على الساحة الثقافية الإسبانية، بحيث نال المركز الثقافي السوري في إسبانيا جائزة أنشط مركز ثقافي في مدريد، فقد أسّس عطفة الملتقى الثقافي السوري مع مدينة “المنكب”، وأسّس في إسبانيا الحدائق النحتية السورية، إضافة إلى معارض التصوير الفني والمهن اليدوية والزجاج والمطبخ السوري والموسيقا السورية، وكرّم عدداً من الأدباء منهم: نزار قباني، نازك الملائكة، كما كرّم مستعربين أيضاً من أمثال بدرون مارتينس مونتالس، وساهم من خلال عمله في إسبانيا في إقامة أسابيع الآثار السورية، واستمر نشاطه هناك حتى  بداية عام 2008، ليعود إلى مدينته مصياف مجدداً.

الترجمة

قال رفعت عطفة في إحدى مقابلاته: “إن حركة الترجمة ساهمت في إغناء الثقافة العربية، فلولاها لكانت ثقافة فقيرة، ومع حركة الترجمة التي بدأت في بغداد وتواصلت بعدها في إسبانيا وفي القاهرة أصبح لدينا ما يمكن أن نسميه الفلسفة العربية، وبفضل الترجمة تمّ إنقاذ أعمال كثيرة من الضياع كأعمال أرسطو اليونانية و”كليلة ودمنة” التي لم يعثر على أصلها، وغيرها من الأعمال، كما أغنت الترجمة من جانب آخر اللغة العربية وفتحت آفاقاً أمام الفكر العربي ما ساعد على ظهور النهضة العربية الحديثة، فضلاً عن أننا في الوقت الحاضر ندرس بفضل الترجمة آخر العلوم، لأن هذه العلوم في الأصل ليست من عملنا بل نحن مستهلكون ومتلقون لها”.