الطاقات المتجددة.. بين الحاجات والإمكانات والتسهيلات والتعقيدات
ظروف التيار الكهربائي الحالية والمتتابعة في بلدنا منذ سنوات، فرضت الحاجة السريعة للبدائل، بدءاً باستخدام الشواحن والليدات والمولدات والأمبيرات، وقد سهلَّت الحكومات المتعاقبة استيراد هذه البدائل التي استهلكت ميزانية المواطن السوري، وتركت أثراً سلبياً على البيئة وعلى الصحة العامة، ومجدَّداً تطرح على الأسر والمنشآت، اعتماد الطاقة المتجددة بهمة واهتمام وتعمل على تشجيع استيراد مكوناتها الرئيسية.
لقد عجزَت -بل قصرَّت- الحكومات المتعاقبة عن تحسين واقع الطاقة الكهربائية المتهالكة، والحكومة الحالية كسابقتها تبدو عاجزة أو مقصّرة عن إقامة محطات الطاقة المتجددة الشمسية أو الريحية على الأراضي التي تملكها الدولة في كافة المحافظات السورية وتتوفر فيها الشمس والرياح، أكان ذلك في أراضي الصحراء السورية الكبيرة المجاورة لعدة محافظات، أو الأراضي الحراجية والصخرية وغير الصالحة للزراعة الموجودة في المحافظات الأخرى، أي لن يترتب على استخدام هذه الأراضي أية خسارة وطنية، ولن تتحمّل الحكومة أية أجور لقاء استخدام هذه الأراضي، ومع ذلك فهي تطرح على القطاع الخاص القيام بهذا الاستثمار (الذي سيستخدم الأراضي الزراعية لهذه الغاية) مع ضمان شرائها للطاقة التي ينتجها، ولكن إقبال المستمرين لازال محدوداً حتى تاريخه، إذ يشكو بعضهم من ضعف تسهيلات بل ومن مضايقات، والتسهيلات التي عرضتها الحكومة على المواطنين الراغبين بتركيب طاقة متجددة خاصة بهم لمساكنهم أو منشآتهم، تكاد كلفتها العالية تجعلها غير ممكنة الاعتماد إلا لقلة ميسورة منهم.
فقرض الخمسة ملايين الذي تقرّر منحه للراغبين باستخدام الطاقة المتجددة ولمدة خمس سنوات بدون فائدة، غير مرغوب وغير ممكن استجراره من الكثيرين، لأنه سيترتب عليه قسط شهري واجب الدفع، نحو 125 ألف ليرة سورية، وهذا المبلغ تزيد قيمته كثيراً عن راتب القسم الأكبر من العاملين في الدولة أو الدخل الشهري لنسبة كبيرة من العاملين بأجر في القطاع الخاص أو مياومة أو من دخلهم لحسابهم، وبالتالي ليس بمقدورهم استجرار هذا القرض، لضعف قدرتهم عن سداد أقساطه، خاصة وأن هذا المبلغ لن يؤمّن سوى طاقة منزلية خفيفة جداً، وتكاد تكون الحالة نفسها بالنسبة لقرض العشرة ملايين لعشر سنوات!.
وقبل سنتين أفاد أحد المعنيين الرسميين في شؤون الطاقة المتجددة أن تخديم منزل بهذه الطاقة بكافة حاجاته الكهربائية يكلف قرابة الـ 15 مليوناً، ناهيك عما حدث من ارتفاع أسعار خلال السنتين المنصرمتين، عدا عن أنه على الأغلب سيُحمل مستخدمي الطاقة المتجددة نفقات متتابعة شهرية وسنوية تتمثل بتكاليف بعض الصيانة والترميم والتجديد، في ضوء مدة العمر الزمني للألواح ومتمماتها، والطامة الكبرى إن صدرت لاحقاً ضرائب على ألواح الطاقة الشمسية كتلك التي تم طرحها مؤخراً في مجلس محافظة دمشق.
أيضاً من الجائز السؤال: إذا كان قرض الطاقة المتجددة معفى من الفائدة وجهة أخرى تتحملها (مؤسسة دعم القروض أو غيرها)، فمن هي مصادر تمويل هذه الجهة الداعمة؟، أم أن الفوائد مضافة مسبقاً على تكاليف معدات الطاقة بشكل غير مباشر، وأياً كان الحال فالدخول الحالية لا تمكِّن الكثيرين من الاستفادة من القرض المقترح، والخشية من أن تواكب الأسعار ارتفاعها بالتحسّن نفسه المزمع أو المتوقع أو المأمول في الرواتب، وعلى الأغلب سيحدث ذلك على غرار ما مضى من زيادات في الرواتب.
أياً كانت الحال فوضع التيار الكهربائي الحالي بهذا التقنين الطويل يجعل الحاجة ماسة –أسرياً ومنشآتياً- لتوفير الطاقة الكهربائية البديلة لساعات أكثر مما هي عليه الآن، وحيث إن الخيار الآنيّ والوحيد –ولأمد بعيد– هو خيار الطاقة المتجددة، فالطريقة المثلى لتأمينها يجب أن تتمّ من خلال العمل على إقامة محطات صغيرة أو كبيرة، تخدم قطاعاً جغرافياً كاملاً بمساكنه ومنشآته، تتناسب مع حجمه ومساحة توزعه، ما يوجب أن يتم العمل بتعاون رسمي وشعبي على دراسة إنشاء محطات على هذه الشاكلة، من خلال تعاون مالي بين مجموعة المستفيدين، أكان بتمويل منهم أو بقروض على حسابهم، ومن المفترض أن تكون الكلفة بهذه الحالة أقل والمنفعة أكبر، على أن يقترن ذلك بمسعى حكومي اقتصادي لاستثمار الغاز والنفط الموجود في باطن الأراضي الآمنة، بالتوازي مع الجهود العسكرية والأمنية والسياسية لاستعادة المناطق الواقعة حالياً تحت سيطرة الإرهابيين والمحتلين والخارجين على القانون.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية